كتاب أحكام أهل الذمة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

فلما نزلت آية الجزية أخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن بقي على كفره من النصارى والمجوس، ولهذا لم يأخذها من يهود المدينة حين قدم المدينة، ولا من يهود خيبر، لأنهم (¬١) صالحهم قبل نزول آية الجزية.
وهذه الشبهة هي التي أوقعتْ عند اليهود أن أهل خيبر لا جزية عليهم، وأنهم مخصوصون بذلك من جملة اليهود، ثم أكَّدوا أمرها بأن زوَّروا كتابًا (¬٢) فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسقط عنهم الكُلَفَ (¬٣) والسُّخَر (¬٤) والجزية، ووضعوا فيه شهادة سعد بن معاذٍ ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهما. وهذا الكتاب كذِبٌ مختلقٌ بإجماع أهل العلم من عشرة أوجهٍ (¬٥):
منها: أن أحدًا من علماء النقل والسير والمغازي لم يذكر (¬٦) أن ذلك وقع البتةَ، مع عنايتهم بضبط ما هو دون ذلك بكثيرٍ.
الثاني: أن الجزية إنما نزلت بعد فتح خيبر، فحينَ صالح أهل خيبر لم
---------------
(¬١) في المطبوع: "لأنه" خلاف ما في الأصل.
(¬٢) انظر: "مجموعة الوثائق السياسية" (ص ٩١، ٩٣، ٩٥).
(¬٣) جمع كُلْفة، ما يتكلَّفه الإنسان على مشقة. والمراد هنا ما يكلَّفون به من الضرائب ونحوها.
(¬٤) جمع سُخْرة، ما يُسخّره الإنسان من دابّة أو رجلٍ بلا أجرٍ ولا ثمنٍ.
(¬٥) نقل المؤلف في "زاد المعاد" (٣/ ١٧٨، ١٧٩) عن شيخ الإسلام بعض هذه الأوجه. وذكرها كاملة في "المنار المنيف" (ص ٩٢ - ٩٤). وسيذكر المؤلف وجوهًا أخرى فيما يأتي (ص ٧٧ - ٧٩).
(¬٦) في الأصل: "لم يذكروا".

الصفحة 12