كتاب أحكام أهل الذمة - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

بعد بدرٍ. وكل واقعةٍ من وقائع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأعداء الله اليهود كانت بعد غزوةٍ من غزوات الكفّار، ولم تكن الجزية نزلتْ بعدُ، فلما نزلتْ أخذَها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نصارى نجران، وهم أول من أُخِذتْ منهم الجزية كما تبيَّن، وبُعِث معاذٌ فأخذَها من يهود اليمن.
فإن قيل: فلِمَ [لَم] يأخذْها من أهل خيبر بعد نزولها؟
قيل: كان قد تقدَّم صلحُه لهم على إقرارهم في الأرض بنصف ما يخرج منها ما شاء، فوفَى لهم عهدَهم، ولم يأخذ منهم غيرَ ما شرط عليهم. فلما أجلاهم عمر - رضي الله عنه - إلى الشام ظنُّوا أنهم يستمرُّون على أن يُعفَوا منها، فزوَّروا كتابًا يتضمن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسقطها عنهم بالكلية، وقد صنَّف الخطيب والقاضي وغيرهما في إبطال ذلك الكتاب تصانيفَ، ذكروا فيها وجوهًا تدلُّ على أن ذلك الذي بأيديهم موضوعٌ باطلٌ (¬١).
قال شيخنا: ولما كان عام إحدى (¬٢) وسبعمائةٍ أَحضر جماعةٌ من يهود دمشق عهودًا ادَّعَوا أنها قديمةٌ، وكلُّها بخط علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وقد غَشَّوها بما يقتضي (¬٣) تعظيمها، وكانت قد نَفَقَتْ على ولاة الأمور من مدةٍ طويلةٍ، فأُسقِطت عنهم الجزية بسببها، وبأيديهم تواقيعُ ولاةٍ، فلما وقفتُ عليها تبيَّن في نفسها ما يدلُّ على كذبها من وجوهٍ كثيرةٍ جدًّا.
---------------
(¬١) تقدم الكلام عليه في أول الكتاب (ص ١٢ - ١٤).
(¬٢) كذا في الأصل، كأنه أراد: "سنة إحدى".
(¬٣) في الأصل: "يتقضى" سهوًا.

الصفحة 77