كتاب الأحكام الوسطى (اسم الجزء: 4)

المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس وقال: سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة، فقام أبو أيوب فقال: يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التاويل، وإنما نَزَلَتْ هذه فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرًا دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أموالنا قد ضاعت، وأن الله قد أعز الإسلام وكئر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله عز وجل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - يرد علينا {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتَرَكْنَا الغزو، فما زال أبو أيوب شاخصًا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم (¬1).
أبو داود، عن أبي أمامة التيمي قال: كنت رجلًا أَكْرِي في هذا الوجه، وكان ناس يقولون ليس لك حج، فلقيت ابن عمر فقلت: يا أبا عبد الرحمن إني رجل أكْرِي في هذا الوجه، وإن ناسًا يقولون ليس لك حج، قال: يعني ابن عمر: ألست تحرم وتلبي وتطوف بالبيت وتفيض من عرفات وترمي الجمار؟ قلت: بلى، قال: فإن لك حجًا جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن مثل ما سألتني عنه، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يجِبْهُ حتى نزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرأ عليه هذه الآية، وقال: "لَكَ حَجٌّ" (¬2).
البخاري، عن ابن عباس قال: كانت عكاظ ومخبت وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية يتأثموا أن يتجروا في أموالهم، فنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} في موسم الحج (¬3).
وعن عائشة قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا
¬__________
(¬1) رواه الترمذي (2972) والنسائي في التفسير (48) وأبو داود (2512) وابن حبان (4711) والحاكم (2/ 275).
(¬2) رواه أبو داود (1733).
(¬3) رواه البخاري (1770 و 2050 و 2098 و 4519).

الصفحة 342