كتاب آداب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير رضي الله عنه

فقد استعمل مصعب بن عمير - رضي الله عنه - العتاب في حواره مع أمه , وإنما كان ذلك بأسلوبٍ لطيف , بعد تهديد أمه له بالسجن والتعذيب , ثم كان ذلك في حوارٍ فردي , إذ قال لها: "لئن أنتِ حبستَنِي لأحرصن على قتل من يتعرض لي , قالت: فاذهب لشأنك" (¬1) , فهي أرادت حبسه كخطأ تكرر منها سابقاً , ثم عاتبها بتلك الألفاظ , فاستطاع - رضي الله عنه - تعديل ذلك الخطأ , فقد تركته أمه ولم تتعرض له.

ثالثاً: التذكير والوعظ:
كان مصعبٌ - رضي الله عنه - يهتم بالوعظ والتذكير , ويغتنم الفرص السانحة, والتي يتوقع فيها أن للوعظ أو التذكير أثراً في محاوره , فعندما أرادت أمه صده عن الدين , استعملت معه شتى الوسائل , ولم تستطع إلى ذلك سبيلا , " فجعلت تبكي , فقال مصعب - رضي الله عنه -: يا أماه إني لكِ ناصحٌ عليك شفيقٌ , فاشهدي أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله , قالت: والثوَاقِبِ (¬2) لا أدخل في دينك فيُزرى برأيي , ويضعَّفَ عقلي " (¬3) , فبكاء أمه كان مسلكاً للوعظ والتذكير , فاغتنم ذلك مصعبٌ - رضي الله عنه - وذَكَّرها بالحق ووعظها بالدخول في الإسلام , وإن لم يصل إلى ما يريد , ولكنه أقام عليها الحجة , وسَلِم مما كانت تريده من سجنٍ وتعذيب.

رابعاً: أدب السؤال:
يلزم المحاور الناجح التأدب في طرح السؤال , وذلك في اختيار السؤال المناسب في الوقت المناسب , مع مراعاة اختيار الألفاظ الحسنة , ونبرة الصوت
¬_________
(¬1) المصدر السابق , 3/ 88.
(¬2) الشهب المضيئة. الرازي: مختار الصحاح , ص49.
(¬3) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 88.

الصفحة 20