كتاب آداب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير رضي الله عنه
أمه وقومه (¬1) , حتى هاجر إلى الحبشة (¬2). فعندما جاء من المدينة إلى مكة أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما جرى مع الأنصار (¬3) , ثم ذهب إلى أمه فدار بينهما حوارٌ استطاع فيه - رضي الله عنه - أن يكف عدوان أمه وقومه , فكان مما دار بينهما أن قالت له أمه: " إنك لعلى ما أنت عليه من الصَّبْأَةِ بعدُ! قال: أنا على دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الإسلام الذي رضي الله لنفسه ولرسوله. قالت: ما شكَرْتَ ما رَثَيْتُكَ (¬4) , مرة بأرض الحبشة ومرة بيثرب , فقال: أفرُّ بديني إن تفتنوني. فأرادت حبسه, فقال: لئن أنتِ حبستَنِي لأحرصن على قتل من يتعرض لي , قالت: فاذهب لشأنك , وجعلت تبكي " (¬5) , فكانت الثقة والجرأة والأسلوب الحكيم سلاحاً استعمله مصعب بن عمير - رضي الله عنه - لكف الشر الذي كاد أن ينزل به.
رابعاً: توحيد الصفوف وجمع الكلمة:
ومما يعين على ذلك , الحوار المنهجي الذي يجعل من المبادئ الإسلامية منهجيته , وآدابه مسلكاً له إلى تحقيق الهدف؛ لذلك أثمرت حوارات مصعب بن عمير - رضي الله عنه - مع الأنصار , فقد توحدت صفوفهم واجتمعت كلمتهم , بعد أن كانت الحروب والصراعات قائمة بين الأوس والخزرج , فقد دخلوا الإسلام وأصبحوا إخوةً مجتمعين (¬6) , وكان مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يصلي بهم , وكان يسمى المقرئ
¬_________
(¬1) السهيلي: الروض الأنف في شرح السيرة النبوية , 4/ 52.
(¬2) ابن اسحاق: سيرة ابن اسحاق , ص 174.
(¬3) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 88.
(¬4) من رَثَى لَهُ إذا رَقّ وتَوَجَّعَ. ابن منظور: لسان العرب , 14/ 309.
(¬5) ابن سعد: الطبقات الكبرى , 3/ 88.
(¬6) ابن هشام: السيرة النبوية , 1/ 435.