كتاب آراء ابن عجيبة العقدية عرضا ونقدا

عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} (¬١)
فكلُّ من قال: هذا العلم من عند الله -وهو كاذب في هذه النسبة- فله نصيبٌ وافر من هذا الذم، وهذا في القرآن كثير، يذم الله - سبحانه وتعالى - من أضاف إليه ما لا علم له به، ومن قال عليه ما لا يعلم، ولهذا رتَّب - سبحانه وتعالى - المحرمات أربع مراتب، وجعل أشدها: القول عليه بلا علم، فجعله آخر مراتب المحرمات التي لا تباح بحال، بل هي محرَّمة في كلِّ ملَّة، وعلى لسان كلِّ رسول، فالقائل: إن هذا علمٌ لدُنِّي لما لا يعلم أنه من عند الله، ولا قام عليه برهان من الله أنَّه من عنده: كاذبٌ مفترٍ على الله، وهو من أظلم الظالمين، وأكذب الكاذبين" (¬٢).
كما يرى ابن عجيبة بأنَّ الكشف حقٌّ لا مرية فيه، وهذا ظاهر في أقواله: "ما أدركته الروح أو السر من المعاني اللطيفة والأسرار القديمة فإنَّ ذلك أذواق وكشوفات ومشاهدات، لا يبقى معها وهمٌ ولا ظنٌّ ولا خاطر" (¬٣).
وفي قوله أيضًا: "إذا وعدك الحق تعالى بشيءٍ على لسان الوحي أو الإلهام من نبيٍّ أو وليٍّ أو تجلِّي قوي، فلا تشك أيها المريد في ذلك الوعد" (¬٤).
وقال في موضع آخر: "يقال للعارف (¬٥) إذا أعرض الخلق عنه، ولم ينفع قلوبهم تذكيره ووعظه: اتبع ما يوحى إليك من وراء الإلهام، فإنَّه حقٌّ في حق الخصوص، إذ لا يتجلَّى في قلوبهم إلا ما هو حق" (¬٦).
---------------
(¬١) سورة الأنعام: ٩٣ ..
(¬٢) مدارج السالكين ٣/ ٤٣٢ - ٤٣٣.
(¬٣) الفتوحات الإلهية، ص ٣١٧.
(¬٤) إيقاظ الهمم، ص ٤٤، والبحر المديد ٥/ ٥٠٣.
(¬٥) يقصد الصوفية بالعارف: الولي، وهو من أشهده الله تعالى ذاته وصفاته وأسماءه وأفعاله، فالمعرفة حال تحدث عن شهود. ينظر: التعريفات، للجرجاني، ص ١١٢، وينظر: معجم اصطلاحات الصوفية، ص ١١٠.
(¬٦) البحر المديد ٢/ ٥٠٥.

الصفحة 115