كتاب آراء ابن عجيبة العقدية عرضا ونقدا

وما يزعمه ابن عجيبة في القطب هو من جنس غلو النصارى (¬١) والرافضة (¬٢)، وهذا من قوادح توحيد الربوبية، إذ أنه منازعة للربوبية، ومضاهاة لها، وتسوية بين الله - عز وجل - وبين المخلوقين، وكل من جعل مخلوقًا مثلًا للخالق في شيءٍ من الأشياء فأحبَّه مثل ما يحب الخالق، أو وصفه بمثل ما يوصف به الخالق فهو مشرك (¬٣).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكذلك ما يدَّعيه بعضهم من أن الواحد من هؤلاء قد يعلم كل ولي لله كان، ويكون، واسمه، واسم أبيه، ومنزلته من الله، ونحو ذلك من المقالات الباطلة التي تتضمَّن أنَّ الواحد من البشر يشارك الله في بعض خصائصه مثل أنه بكل شيءٍ عليم، أو على كلِّ شيءٍ قدير، ونحو ذلك، كما يقول بعضهم في النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي شيوخه: إن علم أحدهم ينطبق على علم الله - عز وجل - وقدرته منطبقة على قدرة الله - عز وجل - فيعلم ما يعلمه الله - عز وجل - ويقدر على ما يقدر الله عليه، فهذه المقالات وما يشبهها من جنس قول النصارى، والغالية في علي - رضي الله عنه -، وهي باطلة بإجماع علماء المسلمين" (¬٤).
وقال أيضًا: "وتارة يدَّعي أحدهم المهدية أو القطبية ويقول: أنا القطب
---------------
(¬١) قال ابن تيمية: "والنصارى يصفون المخلوق بما يتصف به الخالق فيجعلونه رب العالمين، خالق كل شيء، ومليكه الذي هو بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، واتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا، وصوَّروا تماثيل المخلوقات، واتخذوهم شفعاء لهم عند الله كما فعل عُبَّاد الأوثان" الجواب الصحيح ٢/ ١٤١ - ١٤٢.
(¬٢) يزعمون أنَّ الأئمة علموا ما كان وما يكون، ولا يحجب عنهم علم السماء والأرض والجنة والنار. ينظر الكافي ١/ ٥٩، ٦١، بحار الأنوار ٢٦/ ١١٧، ١٣٧.
(¬٣) ينظر: مجموع الفتاوى ١٣/ ١٦٣ - ١٦٤.
(¬٤) منهاج السُّنَّة النبوية ١/ ٩٥ - ٩٦.

الصفحة 122