كتاب آراء ابن عجيبة العقدية عرضا ونقدا

مزعة لحم» (¬١)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لئن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره فيبيعها فيكفُّ بها وجهه خيرٌ له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه» (¬٢).
وكان فقراء الصحابة - رضي الله عنهم - من أهل الصفة يكتسبون عند إمكان الاكتساب الذي لا يشغلهم عمَّا هو أوجب وأحبُّ إلى الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من الكسب (¬٣).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "ولم يكن في الصحابة - رضي الله عنهم - لا أهل الصفة ولا غيرهم من يتخذ مسألة الناس ولا الإلحاف في المسألة بالكدية والشحاذة لا بالزنبيل ولا غيره صناعة وحرفة" وقال أيضًا: "وجمع المال إذا قام بالواجبات فيه ولم يكتسبه من الحرام لا يعاقب عليه، لكن إخراج فضول المال والاقتصار على الكفاية أفضل وأسلم وأفرغ للقلب وأجمع للهم وأنفع في الدنيا والآخرة" (¬٤).
وبيَّن ابن تيمية كيفية طلب المال وأنَّها نوعان، الأُولى: ما يحتاج العبد إليه كما يحتاج إلى طعامه وشرابه ومسكنه ومنكحه، فهذا يطلبه من الله - عز وجل - ويرغب إليه فيه فيكون المال عنده يستعمله في حاجته، والثانية: ما لا يحتاج العبد إليه، فهذا لا ينبغي له أن يعلِّق قلبه بها، فإذا تعلَّق قلبه بها صار مستبعدًا لها، فنقصت عبوديته وتوكله (¬٥).
ولقد وُجِد الغنى في الأنبياء، وما زال في بعض الصالحين ولكنهم راقبوا الله - عز وجل - فيه، يرونه وديعة في أيديهم، ابتلاهم الله - عز وجل - به؛ لينظر هل يتصرفون فيه تصرف العبد أو تصرف الملاك الذين يعطون لهواهم ويمنعون لهواهم (¬٦).
---------------
(¬١) أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب من سأل الناس تكثُّرًا ٢/ ٥٣٦، رقم ١٤٧٤.
(¬٢) أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة ٢/ ٥٣٥، رقم ١٤٧٠.
(¬٣) ينظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية ١١/ ٤٤، ٤٦.
(¬٤) المرجع نفسه ١١/ ١٠٨.
(¬٥) نفسه, بتصرف يسير ١٠/ ١٨٩.
(¬٦) ينظر: طريق الهجرتين ١/ ١٣.

الصفحة 137