كتاب آراء ابن عجيبة العقدية عرضا ونقدا

والمحتاج الذي يقدر على التكسُّب فلا يجوز له المسألة، وما يأخذه من الناس في هذه الحالة حرام عليه؛ لحديث قبيصة بن مخارق الهلالي - رضي الله عنه - قال: «تحمَّلت حمالة، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» ثم قال: "يا قبيصة، إنَّ المسألة لا تحلُّ إلا لأحد ثلاثة: رجلٌ تحمَّل حمالة فحلَّت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة (¬١) اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال: سدادًا من عيش-، ورجلٌ أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا (¬٢) من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة (¬٣)
فحلَّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال: سدادًا من عيش-، فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحتٌ يأكلها صاحبها سحتًا (¬٤)»، (¬٥).
"والمسألة في الأصل حرام، وإنما أُبيحت للحاجة والضرورة؛ لأنها ظلمٌ في حقِّ الربوبية، وظلمٌ في حقِّ المسؤول، وظلمٌ في حقِّ السائل:
أمَّا الأول: فلأنه بذل سؤاله وفقره وذلَّه واستعطاءه لغير الله، وذلك نوع
---------------
(¬١) الجائحة: الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها وكل مصيبة عظيمة وفتنة كبيرة. ينظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمَّى الكاشف عن حقائق السنن ٥/ ١٥٠٩.
(¬٢) أصحاب العقول الراشدة، المرجع نفسه ٥/ ١٥٠٩
(¬٣) وهذا ليس من باب الشهادة، ولا يريد به التنصيص علي أنَّ الفاقة لا تثبت إلا بثلاثة شهود، إذ لم يسمع أنَّ أحدًا من الأئمة قال به، ولم نجد لهذا العدد من الرجال مدخلًا في شيءٍ من الشهادات، بل لعلَّه ذكره علي وجه الاستحباب وطريقة الاحتياط؛ ليكون أدلَّ على براءة السائل عن التهمة وأدعى للناس إلي سدِّ حاجته. ينظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمَّى الكاشف عن حقائق السنن ٥/ ١٥٠٩ ..
(¬٤) أخرجه مسلم في صحيحه، باب من تحلُّ له المسألة ٢/ ٧٢٢، رقم ٢٤٥١.
والسُّحتُ: هو الحرام الذي لا يحلُّ كسبه؛ لأنَّه يسحت البركة، أي يذهبها. ينظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح ٥/ ١٥٠٩.
(¬٥) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة، ترتيب أحمد عبد الرزاق الدويش، باب التسول، ٢٤/ ٣٧٥.

الصفحة 138