كتاب آراء ابن عجيبة العقدية عرضا ونقدا

ما يبغضه أكثر من اشتماله على ما يحبه ولا يبغضه وحده عما يحبه الله ونهيه عن ذلك أعظم، من تحريكه لما يحبه الله - عز وجل - وإن كان يثير حبًّا وحركةً ويظن أنَّ ذلك يحبه الله - عز وجل - وأنه مما يحبه الله فإنما ذلك من باب اتباع الظن، ومما يبيِّن ذلك أنَّ الله - عز وجل - بيَّن في كتابه محبته وذكر موجباتهما وعلاماتها وهذا السماع يوجب مضادًّا لذلك منافيًا له وذلك أن الله - عز وجل - بيَّن في كتابه الكريم كيف تكون محبته؟ قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} (¬١).
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬٢) فكلُّ من اتبع ذوقًا أو وجدًا بغير هدى من الله - عز وجل - سواءً كان ذلك عن حبٍّ أو بغضٍّ فليس لأحدٍ أن يتبع ما يحبه فيأمره به، ويتخذه دينًا وينهى عمَّا يبغضه ويذمُّه ويتخذ ذلك دينًا إلا بهدى من الله - عز وجل - وهو شريعة الله - عز وجل - التي جعل عليها رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن اتبع ما يهواه حبًّا وبغضًا بغير الشريعة فقد اتبع هواه بغير هدى من الله - عز وجل -، ولهذا كان السلف يعدون كل من خرج عن الشريعة في شيءٍ من الدين من أهل الأهواء، ويجعلون أهل البدع هم أهل الأهواء ويذمونهم بذلك، ويأمرون بألا يغتر بهم ولو أظهروا ما أظهروه من العلم والكلام والحجاج أو العبادة والأحوال مثل المكاشفات وخرق العادات (¬٣).
ولا ريب أنَّ قول ابن عجيبة في السماع بأنه قربة إلى الله - عز وجل - ورمي من ينكره بالجهل فهو من مصادمة النصوص الشرعية التي أبطلته وبيَّنت عواره، وزيغ من جعله قربةً وديانة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
---------------
(¬١) سورة البقرة: ١٦٥.
(¬٢) سورة آل عمران: ٣١.
(¬٣) الاستقامة، ص ١٩٢.

الصفحة 161