كتاب آراء ابن عجيبة العقدية عرضا ونقدا

٢ - احتج ابن عجيبة على جواز الوُجد الحاصل عن طريق السماع بحديث أنس - رضي الله عنه - قال: «كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ نزل جبريل، فقال يا رسول الله: إن فقراء أمتك يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم، وهو خمسمائة عام، ففرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: هل منكم من ينشدنا؟ فقال بدوي: نعم يا رسول الله فقال: هات؛ فأنشد أعرابيٌّ:
قد لسعت حيَّةُ الهوى كبدي ... فلا طبيبٌ لها ولا راقي
إلا الحبيب الذي شغفت به ... فعنده رُقيتي وترياقي
فتواجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتواجد أصحابه معه، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فلما فرغوا أوى كلُّ واحد إلى مكانه، فقال معاوية - رضي الله عنه - ما أحسن لعبكم يا رسول الله، فقال: "مه مه يا معاوية ليس بكريمٍ من لم يهتزَّ عند ذكر الحبيب، ثم اقتسم رداءه من حضرهم بأربعمائة قطعة» (¬١).
وهذا من تلاعب الشيطان على المتصوفة إذا يحتجون على باطلهم بالأحاديث التي لا يمكن أن تنسب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولا لأصحابه - رضي الله عنهم -.
وردّ أبو العباس القرطبي - رحمه الله - على فريتهم هذه بقوله: "إنَّ الواقف على متن الحديث يعلم على القطع أنه مصنوعٌ موضوع؛ لأن الشعر الذي فيه لا يناسب شعر العرب، ولا يليق بجزالة شعرهم ولا ألفاظهم وإنما يليق بمخنثي شعر المولَّدين (¬٢) " (¬٣)، وقال في موضع آخر: "إنَّ هذا الحديث مما لا يوجد مسندًا ولا أخرجه في كتابه أحدٌ
---------------
(¬١) إيقاظ الهمم، ص ١٩٢ - ١٩٣.
(¬٢) الشعراء المولَّدون: هم الذين جاوؤا بعد عصر الاحتجاج، وسُمِّوا بذلك؛ لأنَّهم ولَّدوا في الكلام أي: استحدثوا فيه مالم يكن من معاني العرب وكلامهم. ينظر: ترتيب المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ١/ ٢٢٩.
(¬٣) كشف القناع عن حكم الوجد والسماع، ص ١٦١.

الصفحة 168