كتاب آراء ابن عجيبة العقدية عرضا ونقدا

سمعت حكاية أخرى، فيها عبرة، وذلك أنَّ رجلًا سمع قارئًا يقرأ هذه الآية فدخل بيته ولزم زاوية منه يذكر فيها، ويتبتل فجاءت امرأته تنقم عليه وتأمره بالخدمة، فقال لها: قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فلما آيست منه ذهبت تحفر شيئًا، فوجدت آنية مملوءة دنانير، فجاءت إليه، وقالت: قد أتانا رزقنا، قم تحفره معي، هو في موضع كذا، فقال: إنما قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ}، ولم يقل في الأرض، فامتنع فذهبت إلى أخٍ لها تستعين به، فلما فتحتها وجدتها مملؤة عقارب، فقالت: والله لأطرحنها عليه لنستريح منه، ففتحت كوة من السقف، وطرحتها عليه فسقطت دنانير، فقال: الآن نعم، قد أتاني من حيث قال ربي: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} " (¬١).
وهذا التفسير المغلوط للآية أورث المتصوفة البطالة، ونفي الأسباب كما مرَّ معنا، وهو مخالف لما عليه المفسِّرون، قال الشيخ السعدي في تفسيره: "أي مادة رزقكم، من الأمطار، وصنوف الأقدار، الرزق الديني والدنيوي، وَمَا تُوعَدُونَ من الجزاء في الدنيا والآخرة، فإنه ينزل من عند الله، كسائر الأقدار (¬٢).
٤ - الحث على تعذيب النفس لتربيتها
قال ابن عجيبة: إن بعض الطلبة كان ساكنًا في مدرسة بفاس، فخرجت امرأة ومعها بنتها ... فرأت البنت بابًا خلفه ضوء فأتت إليه، فوجدت فيه رجلًا ينظر في كتاب، فقالت: إن لم يكن الخير عند هذا فلا يكون عند أحد، فقرعت الباب فخرج الرجل فذكرت له قصتها، وأنها خافت على نفسها، فأدخلها منزله، وجعل بينه وبينها حصيرًا، وبقي ينظر في كتابه، وزين له الشيطان أن يعمل بها عمل سوء،
---------------
(¬١) البحر المديد ٥/ ٤٧١ - ٤٧٢.
(¬٢) تيسير الكريم الرحمن ١/ ٨٠٩.

الصفحة 187