كتاب آراء ابن عجيبة العقدية عرضا ونقدا

ولكن الله - عز وجل - حفظه ببركة العلم، فأخذ المصباح، وجعل يحْرِقُ أصابعه واحدًا بعد واحد حتى أحرقها، والبنت تنظر إليه وتتعجَّب، ثم خرج ينظر إلى الليل فوجده ما زال، فأحرق أصابع اليد الأخرى، ولما أفل الليل وجاء الصباح خرجت سالمة ... وذكرت البنت تلك القصة لأبيها، فأتى أبوها إلى مجلس العلم، وذكر القصة للشيخ، فقال للحاضرين: أخرجوا أيديكم وأمِّنوا على دعائي لهذا الرجل، فأخرجوا أيديهم، وبقي رجل، فعلم الشيخ أنه صاحب القضية (¬١).
وهذه الحكاية التي ذكرها ابن عجيبة من الحكايات التي ذكرها الصوفية في تربية المريدين على المجاهدة وتعذيب النفس اشتملت على مخالفات شرعية، وأمور باطلة، وهي:
أ اعتبار هذه الحكاية من الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس عند المتصوفة، وتفضيله على مجاهدة السيف، وبه يحصل التجلِّي فهو يقول: "وإذ تهذبت وكملت رياضتها، فالواجب اتباع ما يتجلَّى فيها إذ لا يتجلَّى فيها إلا الحق، وهذا هو ثمرة الجهاد الأكبر، وأمَّا الجهاد الأصغر الذي هو جهاد السيف فلا يحصل شيءٌ من هذا، فلذلك كان مفضولًا عند الجهاد الأكبر" (¬٢).
ب الخلوة المحرمة.
لقد جاء الشرع ببيان أسباب الفتن والتحذير منها وسد الذرائع المؤدية إليها، ففتنة النساء من أعظم الفتن التي تُبتلى بها الأمم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حذرنا منها، وتأمَّل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة:
---------------
(¬١) البحر المديد ٢/ ٥٩٠.
(¬٢) المرجع نفسه ١/ ٢٣٤.

الصفحة 188