كتاب آراء ابن عجيبة العقدية عرضا ونقدا

ويؤيد هذا الشاطبي (¬١) بقوله: "من الناس من زعم أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا وربما نقلوا في ذلك بعض الأحاديث والآثار، فعن الحسن (¬٢) مما أرسله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما أنزل الله آية إلا ولها ظهر وبطن بمعنى ظاهر وباطن، وكل حرفٍ حد، وكل حد مطلع، وفُسِّر بأن الظهر والظاهر هو ظاهر التلاوة والباطن هو الفهم عن الله لمراده، فإن كان مراد من أطلق هذه العبارة ما فُسِّر فصحيح ولا نزاع فيه، وإن أرادوا غير ذلك فهو إثبات أمر زائد على ما كان معلومًا عند الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم فلا بدَّ من دليل قطعي يثبت هذه الدعوى؛ لأنها أصلٌ يحكم به على تفسير الكتاب فلا يكون ظنيًّا، وما استُدل به إنما غايته إذا صح سنده أن ينتظم في سلك المراسيل" (¬٣).
وقال ابن حزم (¬٤): "لو كان لكل آية ظهر وبطن لكنا لا سبيل لنا إلى علم البطن منها بظن، ولا بقول قائل، لكن ببيان النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أمره الله - عز وجل - بأن يُبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم، فإن أوجدونا بيانًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس أحد أولى بالتأويل
---------------
(¬١) هو: أبو إسحاق، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، الشاطبي، أصوليٌّ، حافظ، كان من أئمة المالكية، له مصنفات منها: الاعتصام، الموافقات، مات سنة ٧٩٠ هـ. ينظر: الأعلام ١/ ٧٥.
(¬٢) هو أبو سعيد، الحسن بن أبي الحسن البصري، واسمه يسار، أمُّه مولاة أمِّ سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، رأى بعض الصحابة - رضي الله عنهم -، ولم يسمع من أحدٍ منهم، كان جامعًا عالمًا، رفيعًا عابدًا، ناسكًا، كثير العلم فصيحًا، توفي سنة ١١٠ هـ. ينظر: تذكرة الحُفَّاظ ١/ ٧٢، سير أعلام النبلاء ٤/ ٦٤١.
(¬٣) الموافقات ٣/ ٢٢٧.
(¬٤) هو أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الفارسي الأصل، ثم الأندلسي القرطبي اليزيدي مولى الأمير يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي - رضي الله عنه -، له مؤلفات: منها: المحلَّى في الفقه، الملل والنحل، ولد بقرطبة سنة ٣٨٤ هـ، ومات في شوال سنة ٤٥٩ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء ١٨/ ١٨٤.

الصفحة 64