كتاب آراء ابن عجيبة العقدية عرضا ونقدا

أقوالهم، وأفعالهم، وأحوالهم، وأمَّا ما دمت تزن عليهم بميزان علمك فلا تشم رائحة من سرِّهم" (¬١).
وهذا تناقض واضطراب منه؛ إذ نحن مأمورون بالإيمان بجميع الكتاب والتحاكم إليه والتسليم، لا أن نؤمن ببعضه، ونكفر بالبعض الآخر، قال - عز وجل -: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (¬٢).
وقال ابن تيمية: "ومن قال: أنا محتاج إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - في علم الظاهر دون علم الباطن، أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة، فهو شرٌّ من اليهود والنصارى الذين قالوا: إن محمدًا رسولٌ إلى الأُمِّيين دون أهل الكتاب، فإن أولئك آمنوا ببعض وكفروا ببعض فكانوا كُفَّارًا بذلك، وكذلك هذا الذي يقول إن محمدًا بعث بعلم الظاهر دون علم الباطن آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض فهو كافر، وهو أكفر من أولئك؛ لأن علم الباطن الذي هو علم إيمان القلوب ومعارفها وأحوالها هو علم بحقائق الإيمان الباطنة وهذا أشرف من العلم بمجرد أعمال الإسلام الظاهرة، فإذا ادعى المدعي أنَّ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إنما علم هذه الأمور الظاهرة دون حقائق الإيمان؛ وأنه لا يأخذ هذه الحقائق عن الكتاب والسُّنَّة فقد ادَّعى أنَّ بعض الذي آمن به مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - دون البعض الآخر وهذا شرٌّ ممن يقول: أؤمن ببعض وأكفر ببعض ولا يدعي أن هذا البعض الذي آمن به أدنى القسمين" (¬٣).
---------------
(¬١) إيقاظ الهمم، ص ٣٦٨ - ٣٦٩، وينظر: شرح نونية الششتري، ص ١٢٦.
(¬٢) سورة البقرة: ٨٥.
(¬٣) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص ١٩٥.

الصفحة 69