كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 1)

وَتَرَتَّبَ عَلَى هَذَا مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْمُكَلَّفِ: مَنْ بَشَّرَنِي مِنْ عَبِيدِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ.
فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مُخْبِرٍ لَهُ بِهِ يَكُونُ عَتِيقًا دُونَ الثَّانِي.
وَلَوْ قَالَ: مَنْ أَخْبَرَنِي مِنْ عَبِيدِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ، فَهَلْ يَكُونُ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ أَمْ لَا؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ؛ فَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: يَكُونُ حُرًّا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُخْبِرٌ.
وَعِنْدَ عُلَمَائِنَا لَا يَكُونُ بِهِ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا قَصَدَ خَبَرًا يَكُونُ بِشَارَةً، وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ عُرْفًا، فَوَجَبَ صَرْفُ اللَّفْظِ إلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] فَاسْتَعْمَلَ الْبِشَارَةَ فِي الْمَكْرُوهِ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ كَانَ نَظَرُهُمْ لِلْبُشْرَى، فَقِيلَ لَهُمْ: بِشَارَتُكُمْ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِقَادِكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.
فَخَرَجَ اللَّفْظُ عَلَى مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ مُحْسِنُونَ، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ كَانَ نَظَرٌ لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: 24]

[الْآيَةُ الثَّامِنَةُ قَوْله تَعَالَى الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ]
ِ} [البقرة: 27]
الْعَهْدُ عَلَى قِسْمَيْنِ:

الصفحة 26