كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 1)

أَحَدِهِمَا: فِيهِ الْكَفَّارَةُ، وَالْآخَرُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، فَأَمَّا الَّذِي فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَهُوَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الشَّيْءِ أَوْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْعَهْدُ الثَّانِي: فَهُوَ الْعَقْدُ الَّذِي يَرْتَبِطُ بِهِ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى وَجْهٍ يَجُوزُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَيَلْزَمُ فِي الْحُكْمِ، إمَّا عَلَى الْخُصُوصِ بَيْنَهُمَا، وَإِمَّا عَلَى الْعُمُومِ عَلَى الْخَلْقِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ حَلُّهُ، وَلَا يَحِلُّ نَقْضُهُ، وَلَا تَدْخُلُهُ كَفَّارَةٌ، وَهُوَ الَّذِي يُحْشَرُ نَاكِثُهُ غَادِرًا، يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ، يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَيَقُولُ: الْعَهْدُ بِالْيَمِينِ، لَمْ يَجُزْ حَلُّهُ؛ لِأَجْلِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا} [النحل: 91] وَهَذَا مَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ.

[الْآيَة التَّاسِعَة قَوْله تَعَالَى وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلَّا إبْلِيس]
َ} [البقرة: 34]
اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِآدَمَ لَمْ يَكُنْ سُجُودَ عِبَادَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا سَلَامُ الْأَعَاجِمِ بِالتَّكَفِّي وَالِانْحِنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ، وَإِمَّا وَضْعُهُ قِبْلَةً كَالسُّجُودِ لِلْكَعْبَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهُوَ الْأَقْوَى؛ لِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29].
وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ؛ وَإِنَّمَا صَدَرَ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ لِلْعِبَادَةِ، وَاِتِّخَاذِهِ قِبْلَةً، وَقَدْ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ.

[الْآيَةُ الْعَاشِرَةُ قَوْله تَعَالَى وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ]
َ} [البقرة: 35].
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:

الصفحة 27