كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 1)

كَانَ مَنْعُهَا أَعْظَمَ إثْمًا، وَإِخْرَابُ الْمَسَاجِدِ تَعْطِيلٌ لَهَا وَقَطْعٌ بِالْمُسْلِمِينَ فِي إظْهَارِ شَعَائِرِهِمْ وَتَأْلِيفِ كَلِمَتِهِمْ.

[مَسْأَلَةُ مُفَادَة قَوْله تَعَالَى مَسَاجِدَ اللَّهِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إنَّ قَوْله تَعَالَى: {مَسَاجِدَ اللَّهِ} [البقرة: 114] يَقْتَضِي أَنَّهَا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، الَّذِينَ يُعَظِّمُونَ اللَّهَ تَعَالَى، وَذَلِكَ حُكْمُهَا بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ؛ عَلَى أَنَّ الْبُقْعَةَ إذَا عُيِّنَتْ لِلصَّلَاةِ خَرَجَتْ عَنْ جُمْلَةِ الْأَمْلَاكِ الْمُخْتَصَّةِ بِرَبِّهَا، فَصَارَتْ عَامَّةً لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْفَعَتِهَا وَمَسْجِدِيَّتِهَا، فَلَوْ بَنَى الرَّجُلُ فِي دَارِهٍ مَسْجِدًا وَحَجَزَهُ عَنْ النَّاسِ، وَاخْتَصَّ بِهِ لِنَفْسِهِ لَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى حَدِّ الْمَسْجِدِيَّةِ، وَلَوْ أَبَاحَهُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ لَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ الْعَامَّةِ، وَخَرَجَ عَنْ اخْتِصَاصِ الْأَمْلَاكِ.

[مَسْأَلَةُ دُخُولُ الْكَافِرِ الْمَسْجِدِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ} [البقرة: 114]
يَعْنِي إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ، وَحَصَلَتْ تَحْتَ سُلْطَانِهِمْ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْكَافِرُ حِينَئِذٍ مِنْ دُخُولِهَا يَعْنِي إنْ دَخَلُوهَا فَعَلَى خَوْفٍ مِنْ إخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ مِنْهَا وَأَذِيَّتِهِمْ عَلَى دُخُولِهَا؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْكَافِرِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بِحَالٍ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[الْآيَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ]
ُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]

الصفحة 51