كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 1)

وَكَأَنَّ فِي مَدْحِ اللَّهِ لِنَفْسِهِ وَحَمْدِهِ لَهَا وُجُوهًا مِنْهَا ثَلَاثٌ أُمَّهَاتٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَّمَنَا كَيْفَ نَحْمَدُهُ، وَكَلَّفَنَا حَمْدَهُ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ لَنَا سَبِيلٌ إلَيْهِ إلَّا بِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ مَعْنَاهُ: قُولُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَيَكُونُ فَائِدَةُ ذَلِكَ التَّكْلِيفَ لَنَا، وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِنَصْبِ الدَّالِ فِي الشَّاذِّ.
الثَّالِثُ: أَنَّ مَدْحَ النَّفْسِ إنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِمَا يُدْخِلُ عَلَيْهَا مِنْ الْعُجْبِ بِهَا، وَالتَّكَثُّرِ عَلَى الْخَلْقِ مِنْ أَجْلِهَا، فَاقْتَضَى ذَلِكَ الِاخْتِصَاصَ بِمَنْ يَلْحَقُهُ التَّغَيُّرُ، وَلَا يَجُوزُ مِنْهُ التَّكَثُّرُ، وَهُوَ الْمَخْلُوقُ، وَوَجَبَ ذَلِكَ لِلْخَالِقِ؛ لِأَنَّهُ أَهْلُ الْحَمْدِ.
وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ، وَالْفَائِدَةُ الْمَقْصُودَةُ.
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسْنَدْنَا لَكُمْ، «أَنَّهُ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ سَبْعًا، ثَلَاثًا لِي وَثَلَاثًا لَك، وَوَاحِدَةً بَيْنِي وَبَيْنَك؛ فَأَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِي لِي: فَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] وَأَمَّا الثَّلَاثُ الَّتِي لَك فَ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] وَأَمَّا الْوَاحِدَةُ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَك فَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]» يَعْنِي: مِنْ الْعَبْدِ الْعِبَادَةَ، وَمِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ الْعَوْنَ.

الصفحة 9