كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 2)

وَلَا يَمْنَعُ هَذَا التَّعَلُّقَ بِعُمُومِ الْقَوْلَيْنِ؛ وَلِذَلِكَ حَثَّ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ، فَقَالَ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]. وَأَمَرَ بِالْكَفِّ عَنْ الشَّرِّ، فَقَالَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
فَهَذَا حَثٌّ عَلَى فِعْلِ كُلِّ خَيْرٍ وَاجْتِنَابِ كُلِّ شَرٍّ. فَأَمَّا اجْتِنَابُ الشَّرِّ فَجَمِيعُهُ وَاجِبٌ. وَأَمَّا فِعْلُ الْخَيْرِ فَيَنْقَسِمُ إلَى مَا يَجِبُ وَإِلَى مَا لَا يَجِبُ؛ وَكَذَلِكَ الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ، وَلَكِنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْوُجُوبُ، إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى نَدْبِهِ؛ وَقَدْ جَهِلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: لَمَّا كَانَتْ الْعُقُودُ الْبَاطِلَةُ وَالشُّرُوطُ الْبَاطِلَةُ لَا نِهَايَةَ لَهَا وَالْجَائِزُ مِنْهَا مَحْصُورٌ فَصَارَ مَجْهُولًا فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ عَلَى الْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَلَا بِالشُّرُوطِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قُلْنَا: وَمَا لَا يَجُوزُ [كَيْفَ] يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ أَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَتَّى يَجْعَلَهُ مُجْمَلًا.
وَاَللَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَلَا بِالْبَاطِلِ: لَقَدْ ضَلَّتْ إمَامَتُك وَخَابَتْ أَمَانَتُك، وَعَلَى هَذَا لَا دَلِيلَ فِي الشَّرْعِ لِأَمْرٍ يُفْعَلُ؛ فَإِنَّ مِنْهُ كُلِّهِ مَا لَا يَجُوزُ، وَمِنْهُ مَا يَجُوزُ، فَيُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ وَأَوَامِرِهِ.
وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِالْوَقْفِ لَمْ يَرْتَكِبُوا هَذَا الْخَطَرَ، وَلَا سَلَكُوا هَذَا الْوَعْرَ، فَدَعْ هَذَا، وَعَدِّ الْقَوْلَ إلَى الْعِلْمِ إنْ كُنْت مِنْ أَهْلِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَحْمُولُ قَوْلِهِ {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] عَلَى الْمُقَيَّدِ لِمَا بَيَّنَّا، وَهِيَ:

الصفحة 10