كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 2)

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: «لَمَّا انْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ قَبَضَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ عَلَى عِنَانِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ مُرْ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ انْهَزَمُوا فَنَضْرِبَ رِقَابَهُمْ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوَخَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ فَقِيلَ لَهُ: أَوَقَسَمَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمَنْ خَرَجَ يُدَاوِي الْجَرْحَى؟ فَقَالَ: مَا عَلِمْت أَنَّهُ أَسْهَمَ لِامْرَأَةٍ فِي مَغَازِيهِ».
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: وَكَانَتْ حُنَيْنٌ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِصَفْوَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: وَاَللَّهِ لَا نَرْتَدُّ أَبَدًا.
فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ: وَاَللَّهِ لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ خَيْرٌ مِنْ رَبٍّ مِنْ هَوَازِنَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَعْطَى صَفْوَانَ مَثْنَى مِئِينَ أَوْ ثَلَاثَ.
وَقَالَ صَفْوَانُ: لَقَدْ حَضَرْت حُنَيْنًا وَمَا أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ أَبْغَضُ إلَيَّ مِنْهُ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى مَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ الْخَلْقِ مِنْهُ.
وَكَانَ صَفْوَانُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبِهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَابْنُ وَهْبٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ حِينَ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَعْطَاهُ أَكَانَ مُسْلِمًا أَوْ مُشْرِكًا؟ قَالَ: مَا سَمِعْت شَيْئًا، وَمَا أَرَاهُ كَانَ إلَّا مُشْرِكًا.
وَلَقَدْ قَالَ: رَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ خَيْرٌ مِنْ رَبٍّ مِنْ هَوَازِنَ وَمَا هَذَا بِكَلَامِ مُسْلِمٍ.
وَكَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ قَوْلًا حِينَ قَالَ صَفْوَانُ: لَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ أُمَيَّةَ إذْ لَمْ يَرَ هَذَا الْأَسْوَدَ فَوْقَ الْكَعْبَةِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: كَانَ شِعَارُهُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَمَ وَجْهَهُ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ بِالسُّقْيَا جَاءَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَكَانَ شَاعِرًا، فَأَنْشُدهُ شِعْرَهُ لِيَعْلَم مَا عِنْدَهُ وَيَنْظُرَ مَا فِي نَفْسِهِ، فَأَنْشَدَهُ:

الصفحة 465