كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 2)

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مِمَّا ضَلَّ فِيهِ جُهَّالُ الْأُمَمِ أَنَّهُمْ وَضَعُوا صَوْمَهُمْ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ وَضْعُ الشَّرِيعَةِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ أَنْ يَكُونَ بِالْأَهِلَّةِ حَتَّى يَخِفَّ تَارَةً وَيَثْقُلَ أُخْرَى، حَتَّى يَعُمَّ الِابْتِلَاءُ الْجِهَتَيْنِ جَمِيعًا؛ فَيَخْتَلِفَ الْحَالُ فِيهِ عَلَى الْوَاحِدِ.
وَالنَّفْسُ كَثِيرًا مَا تَسْكُنُ إلَى ذَلِكَ أَوْ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْحَالُ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَالْأَمَةِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى أَيْضًا.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى فِي كِتَابِ اللَّهِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى {فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: 36]: يُرِيدُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ. فَقَالَ لَهُ: اُكْتُبْ فَكَتَبَ مَا يَكُونُ إلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ؛ فَعَلِمَ اللَّهُ مَا يَكُونُ فِي الْأَزَلِ، ثُمَّ كَتَبَهُ، ثُمَّ خَلَقَهُ كَمَا عَلِمَ وَكَتَبَ».؛ فَانْتَظَمَ الْعِلْمُ وَالْكِتَابُ وَالْخَلْقُ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [التوبة: 36]: مُتَعَلِّقٌ بِالْمَصْدَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: 36]، كَمَا أَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ مِنْ قَوْلِهِ: فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَهُوَ: فِي، لَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ عِدَّةَ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ قَدْ حَالَ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٍ لِلْخَبَرِ، كَأَنَّهُ قَالَ مَعْدُودَةً أَوْ مُؤَدَّاةً أَوْ مَكْتُوبَةً فِي كِتَابِ اللَّهِ، كَقَوْلِك: زَيْدٌ فِي الدَّارِ، وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي مَلْجَئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ ".

[مَسْأَلَة مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]: وَهِيَ: رَجَبٌ الْفَرْدُ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ.
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ؛ وَرَجَبٌ». وَفِي رِوَايَةٍ: «وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ».
وَقَوْلُهُ: {حُرُمٌ} [التوبة: 36] جَمْعُ حَرَامٍ، كَأَنَّهُ يُوجِدُ احْتِرَامَهَا بِمَا مَنَعَ فِيهَا مِنْ الْقِتَالِ، وَأَوْقَعَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ لَهَا مِنْ التَّعْظِيمِ.

الصفحة 498