كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 2)

أَحَلَّ تَبْدِيلًا وَتَحْرِيفًا، وَاَللَّهُ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا فَعَلَتْ مِنْ تَغْيِيرِ الدَّيْنِ وَتَبْدِيلِ الشَّرْعِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ: {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} [التوبة: 37]: أَيْ خَلَقَ لَهُمْ اعْتِقَادَ الْحُسْنِ فِيهَا، وَهِيَ قَبِيحَةٌ، فَنَظَرُوا فِيهَا بِالْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ؛ لِطَمْسِ أَعْيُنِهِمْ وَفَسَادِ بَصَائِرَهُمْ؛ وَذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ فِي عَدَمِ الْهُدَى لِلْكَافِرِينَ. .

[الْآيَة الْحَادِيَة وَالْعُشْرُونَ قَوْله تَعَالَى يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا]
فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ} [التوبة: 38].
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: {مَا لَكُمْ} [التوبة: 38]: مَا: حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ، التَّقْدِيرُ: أَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُكُمْ عَنْ كَذَا؟ كَمَا تَقُولُ مَا لَك عَنْ فُلَانٍ مُعْرِضًا.
وَنِظَامُهُ الصِّنَاعِيُّ مَا حَصَّلَ لَك مَانِعًا لِكَذَا أَوْ كَذَا.
وَكَذَا تَقُولُ: مَا لَك تَقُومُ وَتَقْعُدُ؟ التَّقْدِيرُ: أَيُّ شَيْءٍ حَصَّلَ لَك مَانِعًا مِنْ الِاسْتِقْرَارِ؟ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 38]: يُقَالُ: نَفَرَ إذَا زَالَ عَنْ الشَّيْءِ.
وَتَصْرِيفُهُ نَفَرَ يَنْفِرُ نَفِيرًا، وَنَفَرَتْ الدَّابَّةُ تَنْفِرُ نُفُورًا، وَكَأَنَّ النُّفُورَ فِي الْإِبَايَةِ، وَالنَّفِيرَ فِي الْإِقْبَالِ وَالسِّعَايَةِ.
وَقَدْ يُؤَلَّفَانِ عَلَى رَأْيِ مِنْ يَرَى تَأْلِيفَ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ تَحْتَ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ بِوَجْهٍ يَبْعُدُ تَارَةً وَيَقْرُبُ أُخْرَى، وَيَكُونُ تَأْوِيلُهُ هَاهُنَا: زُولُوا عَنْ أَرْضِيكُمْ وَأَهْلِيكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

[مَسْأَلَة مَحَلِّ النَّفِيرِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي مَحَلِّ النَّفِيرِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَزْوَةُ تَبُوكَ، دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهَا فِي حَمَّارَةِ

الصفحة 509