كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 2)

قَالَ: ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ، وَمَشَى مَعَهُ، فَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ قَالَ: فَعَجِبْت لِي وَلِجَرَاءَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَوَاَللَّهِ مَا كَانَ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ} [التوبة: 84] إلَى آخَرِ الْآيَتَيْنِ. قَالَ: فَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدُ عَلَى مُنَافِقٍ، وَلَا قَامَ عَلَى قَبْرِهِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ».
وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ مَاتَ أَبُوهُ، فَقَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصَك أُكَفِّنْهُ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُ. فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ، وَقَالَ: إذَا فَرَغْتُمْ فَآذِنُونِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ، وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَى اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ. فَصَلَّى عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] فَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ».

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] هَلْ هُوَ إيَاسٌ أَوْ تَخْيِيرٌ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ إيَاسٌ بِدَلِيلِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَالَ: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80].
الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ: إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ مُبَالَغَةً، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: لَوْ سَأَلْتنِي مِائَةَ مَرَّةٍ مَا أَجَبْتُك.

الصفحة 557