كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 2)

{تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ} [التوبة: 92] الْآيَةَ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْفَقِيرَ الْخُرُوجُ فِي الْغَزْوِ وَالْجِهَادِ تَعْوِيلًا عَلَى النَّفَقَةِ مِنْ الْمَسْأَلَةِ، حَاشَا مَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا دُونَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ: إنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ عَادَةً لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَخَرَجَ عَلَى الْعَادَةِ؛ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ يَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ عَلَيْهِ تَوَجُّهَهُ عَلَيْهِ، وَلَزِمَهُ أَدَاؤُهُ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَمِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ التَّرْدِيدَ؛ فَالْأَوَّلُ كَمَنْ يَمُرُّ عَلَى دَارٍ قَدْ عَلَا فِيهَا النَّعْيُ، وَخُمِشَتْ فِيهَا الْخُدُود، وَحُلِقَتْ الشُّعُورُ، وَسَلَقَتْ الْأَصْوَاتُ، وَخُرِقَتْ الْجُيُوبُ، وَنَادَوْا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ بِالثُّبُورِ، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَكَدُمُوعِ الْأَيْتَامِ عَلَى أَبْوَابِ الْحُكَّامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ إخْوَةِ يُوسُفَ: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ} [يوسف: 16] وَهُمْ الْكَاذِبُونَ، وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهَا قَرَائِنُ يُسْتَدَلُّ بِهَا فِي الْغَالِبِ، وَتَنْبَنِي عَلَيْهَا الشَّهَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى ظَوَاهِرِ الْأَحْوَالِ وَغَالِبِهَا.

[الْآيَة الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ قَوْله تَعَالَى يَعْتَذِرُونَ إلَيْكُمْ إذَا رَجَعْتُمْ إلَيْهِمْ]
ْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 94].
فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ هَاهُنَا، وَنَزَلَتْ بَعْدَ ذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ هَذَا بِآيَاتٍ، فَأَمَّا هَذِهِ الَّتِي أَعْقَبَتْ ذِكْرَ الْمُنَافِقِينَ فَمَعْنَاهَا التَّهْدِيدُ، وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي نَزَلَتْ بَعْدَ هَذَا فَمَعْنَاهَا الْأَمْرُ، وَتَقْدِيرُهَا: اعْمَلُوا بِمَا يُرْضِي اللَّهَ، وَذَلِكَ أَنَّ النِّفَاقَ مَوْضِعُ

الصفحة 563