كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 2)

[الْآيَة الْخَامِسَة وَالْأَرْبَعُونَ قَوْله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ]
َ} [التوبة: 119]. فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَفْسِيرِ الصَّادِقِينَ: وَفِيهِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ الَّذِينَ اسْتَوَتْ ظَوَاهِرُهُمْ وَبَوَاطِنُهُمْ.
الثَّانِي: أَنَّهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} [البقرة: 177] إلَى قَوْله تَعَالَى {الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ الْمُهَاجِرُونَ؛ وَقَدْ رُوِيَ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلْأَنْصَارِ يَوْمَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ: إنَّ اللَّهَ سَمَّانَا الصَّادِقِينَ؛ فَقَالَ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] إلَى قَوْله تَعَالَى {هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8] ثُمَّ سَمَّاكُمْ الْمُفْلِحِينَ، فَقَالَ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} [الحشر: 9]. وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَكُونُوا مَعَنَا حَيْثُ كُنَّا، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
الرَّابِعُ: أَنَّ الصَّادِقِينَ هُمْ الْمُسْلِمُونَ، وَالْمُخَاطَبُونَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
الْخَامِسُ: الصَّادِقُونَ هُمْ الْمُوفُونَ بِمَا عَاهَدُوا، وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23].
السَّادِسُ: هُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ؛ أَوْ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَهُوَ السَّابِعُ.
الثَّامِنُ: هُمْ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَحْقِيقِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ: أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ الْحَقِيقَةُ وَالْغَايَةُ الَّتِي إلَيْهَا الْمُنْتَهَى فِي هَذِهِ الصِّفَةِ، وَبِهَا يَرْتَفِعُ النِّفَاقُ

الصفحة 598