كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 3)

قَالَ: وَقَامَ إلَى الْحَجَرِ، وَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ مُوسَى بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاَللَّهِ إنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ عَصَاهُ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} [الأحزاب: 69]. فَهَذِهِ إذَايَةٌ فِي بَدَنِهِ».
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْمَنْثُورِ: أَنَّ مُوسَى وَهَارُونَ صَعِدَا الْجَبَلَ فَمَاتَ هَارُونُ، فَقَالَ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: أَنْتَ قَتَلْته، وَكَانَ أَلْيَنَ لَنَا مِنْك، وَأَشَدَّ حُبًّا؛ فَآذَوْهُ فِي ذَلِكَ، فَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَحَمَلْته، فَمَرُّوا بِهِ عَلَى مَجَالِسِ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَتَكَلَّمَتْ الْمَلَائِكَةُ بِمَوْتِهِ، فَمَا عَرَفَ مَوْضِعَ قَبْرِهِ إلَّا الرَّخَمُ، وَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ أَصَمَّ أَبْكَمَ، وَهَذِهِ إذَايَةٌ فِي الْعِرْضِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي هَذَا النَّهْيِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِبَنِي إسْرَائِيلَ فِي إذَايَةِ نَبِيِّهِمْ مُوسَى:
وَفِيهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ بِقَوْلِهِ: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ».
وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فَوَقَعَ النَّهْيُ، تَكْلِيفًا لِلْخَلْقِ، وَتَعْظِيمًا لِقَدْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَقَعَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ تَحْقِيقًا لِلْمُعْجِزَةِ، وَتَصْدِيقًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَنْفِيذًا لِحُكْمِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَرَدًّا عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا مَعَانِيَ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ مُخْتَصَرِ النَّيِّرَيْنِ.

[الْآيَة الرَّابِعَة وَالْعُشْرُونَ قَوْله تَعَالَى إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ]
الْآيَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي حَقِيقَةِ الْعَرْضِ: وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمُشْكِلَيْنِ.

الصفحة 627