كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 4)

وَلَوْ كَانَتْ مُتَّصِلَةَ الْهَيْئَةِ لَمْ يَجُزْ لِقَوْلِهَا فِي النُّمْرُقَةِ الْمُصَوَّرَةِ: اشْتَرَيْتهَا لَك لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا، فَمَنَعَ مِنْهُ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ، وَتَبَيَّنَ بِحَدِيثِ الصَّلَاةِ إلَى الصُّورَةِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا [فِي الرَّقْمِ] فِي الثَّوْبِ، ثُمَّ نَسَخَهُ الْمَنْعُ، فَهَكَذَا اسْتَقَرَّ فِيهِ الْأَمْرُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَوْله تَعَالَى: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} [سبأ: 13]:
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: كَالْجَوْبَةِ مِنْ الْأَرْضِ. {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13] يَعْنِي لَا تُحْمَلُ وَلَا تُحَرَّكُ لِعِظَمِهَا، وَكَذَلِكَ كَانَتْ قُدُورُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ يُصْعَدُ إلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِسُلَّمٍ، وَرَأَيْت بِرِبَاطِ أَبِي سَعِيدٍ قُدُورَ الصُّوفِيَّةِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ يَطْبُخُونَ جَمِيعًا، وَيَأْكُلُونَ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْثَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَنْ أَحَدٍ، وَعَنْهَا عَبَّرَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ بِقَوْلِهِ:
كَالْجَوَابِي لَا تَنِي مُتْرَعَةً ... لِقِرَى الْأَضْيَافِ أَوْ لَلْمُحْتَضَرِ
وَقَالَ أَيْضًا: يُجْبَرُ الْمَحْرُوبُ فِيهَا مَالَهُ بِجِفَانٍ وَقِبَابٍ وَخَدَمٍ.

[مَسْأَلَة حَقِيقَةُ الشُّكْرِ]
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ: 13]: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]. ثُمَّ قَالَ: ثَلَاثٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ آلُ دَاوُد. قَالَ: فَقُلْنَا: مَا هُنَّ؟ قَالَ: الْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ».

الصفحة 12