كتاب أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (اسم الجزء: 4)
[سُورَةُ الطَّارِقِ فِيهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ] [الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ]
ٍ الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5] {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6]: فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى مَحَلَّ الْمَاءِ الَّذِي يُنْتَزَعُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ بَيْنَ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ، تُزْعِجُهُ الْقُدْرَةُ، وَتُمَيِّزُهُ الْحِكْمَةُ، وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ: إنَّهُ الدَّمُ الَّذِي تَطْبُخُهُ الطَّبِيعَةُ بِوَاسِطَةِ الشَّهْوَةِ، وَهَذَا مَا لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ أَبَدًا إلَّا بِخَبَرٍ صَادِقٍ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ، وَالنَّظَرُ الْعَقْلِيُّ لَا يُنْتَهَى إلَيْهِ، وَكُلُّ مَا يَصِفُونَ فِيهِ دَعْوَى يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ حَقًّا، بَيْدَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَعْيِينِهَا كَمَا قَدَّمْنَا؛ وَلَا دَلِيلَ عَلَى تَخْصِيصِهَا حَسْبَمَا أَوْضَحْنَا. وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 13] {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [المؤمنون: 14] وَهِيَ الدَّمُ؛ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الدَّمَ هُوَ الطَّوْرُ الثَّالِثُ، وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ الطَّوْرُ الْأَوَّلُ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ مِمَّنْ يَجْهَلُ.
فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَلِمَ قُلْتُمْ: إنَّهُ نَجِسٌ؟ قُلْنَا: قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ مَقْنَعٌ، وَأَخَذْنَا مَعَهُمْ
الصفحة 375