كتاب الإفهام في شرح عمدة الأحكام

أيضاً في علم الحديث، وظلّوا نحو مائة عام يعدّون من فطاحل علماء الحديث، وانتشرت في عصرهم دور الحديث في الصالحيّة ودمشق، وأدخلوا على هذا العلم اتجاهات جديدة كان لها أكبر الأثر في تنسيق علوم الحديث، وتصنيف أبحاثه المتعددة.
وقد تتلمذ الحافظ عبد الغني في صغره على عميد أسرته العلاّمة الفاضل الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، ثم تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها، فأخذ عنهم الفقه، وغيره من العلوم، ثم قصد بغداد سنة (560 هـ)، ونزل عند الإمام الشيخ عبدالقادر الجيلاني، فقرأ عليه شيئاً من الفقه، والحديث، وأقام عنده نحو أربعن يوماً، بعدها مات الشيخ الجيلاني، فأخذ عن الشيخ أبي الفتح بن المني الفقه والخلاف، ثم رحل إلى أصبهان، فمكث فيها وقتاً طويلاً يدرُس، ويُدرِّس، إلى أن عاد إلى بغداد مرة ثانية سنة (578هـ)، فحدّث بها، وانتقل من ثم إلى دمشق، فأخذ يقرأ الحديث في رواق الحنابلة من مسجد دمشق الأموي، فاجتمع الناس عليه، وكان رقيق القلب، سريع الدمعة، فحصل له قبول من الناس عظيم، فحسده بنو الزكي، وبنو الدَّوْلعي، وجهزوا الناصح ابن الحنبلي، فتكلم تحت قبة النسر في المسجد الأموي، وأمروه أن يجهر بصوته ما أمكنه حتى يشوش على الحافظ عبد الغني، وعند ذلك حوّل الحافظ ميعاد درسه إلى ما بعد العصر، فذكر يوماً عقيدته، فثار عليه القاضي ابن زكيّ الدِّين، وضياء الدين الدَّوْلعي، فعقدا له مجلساً في

الصفحة 11