كتاب الإفهام في شرح عمدة الأحكام

الحديث الثاني: فيه دلالة على أن الجنب لا يغتسل في الماء الدائم، ولا يبول فيه، لا يجوز البول في الماء الدائم مطلقاً، ولا يجوز للجنب أن يغتسل فيه؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا، وعن هذا:
نهى عن البول في الماء الدائم, وعن الاغتسال فيه من الجنابة, وما ذلك - واللَّه أعلم - إلا لأنه وسيلة إلى تقذيره، وتنجيسه؛ لأنه إذا توالى فيه البول والغسل من الجنابة أفضى إلى تنجيسه, أو على الأقل تقذيره على الناس, حتى لا يُشتهى، ولا يُرغب فيه بسبب ما يحصل فيه من الغسل من الجنابة، والأبوال, التي قد تتكرر، وتكثر، فتؤثر في طعمه، أو لونه، أو ريحه, فيكون نجساً, وهكذا الغسل من الجنابة؛ لأنه قد يؤثر في الماء؛ لأن الجنب يكون عليه آثار من الجنابة مني، أو مذي, فيؤثر ذلك في الماء كدراً، أو تقذيراً, وربما كانت عليه نجاسة, فأثَّر في الماء أيضاً؛ فلهذا نهى النبي - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك بالكلية؛ حسماً لمادة إفساد الماء (¬1) , فلا يبول فيه, ولا يغتسل, ولكن يغترف لحاجته، والمفهوم من ذلك أنه إذا كان جارياً لا يضر الاغتسال في الماء الجاري كالنهر، أو بال فيه، لا يضر ذلك؛ إنما يضر إذا كان الماء دائماً, كالأحواض الدائمة، وأشباهها, فلا يجوز البول فيها، ولا الاغتسال فيها من الجنابة.
والحديث الثالث: حديث أبي هريرة فيه الدلالة على وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ
¬_________
(¬1) أي: حتى لا يفسد الماء بكثرة تكرر ذلك.

الصفحة 69