كتاب الفتح على أبي الفتح
وقوله:
وعيني إلى أذنيْ أغرّ كأنَّهُ ... من الليل باقٍ بين عينيه كوكب
إنما يجعل عينه إلى أذنه لأن الفرس أسمع الحيوانات. ومن أمثال العرب: (أسمع من فرس بيهماء في غلس). والعرب تكتلئ بآذان خيلها وآذن ابلها. قال قائلهم:
أنختُ قلوصي واكتلأت بعينها ... وأمرَّت نفسي أيّ أمريّ أفعل
وذلك لأن البهائم تبصر بالليل كما تبصر بالنهار، بل هي بالليل آنس، وبالنهار اشد وحشة. ويقولون: جئته إذا استأنس الوحشي، واستوحش الإنسي يعنون ليلاً. وقيل هذه الكلمة أول من قالها رسول الله صلى الله عليه. والإنس تستوحش بالليل. فلهذا قيل: بيهماء في غلس. والعرب تقول: أذن الوحشي أصدق من عينه. ولهذا قال حميد بن ثور:
مفزّعةٍ تَستحيلُ الشخوصَ ... من الخوف تَسمع ما لا تَرى
ولليل خاصية ليست للنهار. وذلك أن الحركات تسكن، والأصوات تخفت ولصوص العرب وصعاليكها تدعي فضل السمع تريد به صدق
الصفحة 67
362