كتاب الفوائد لابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

يظهر في تلك الصورة ويَحُلُّ فيها! وإن كان اتحاديًّا قال: هي مظهر من مظاهر الحق، ويسميها المظاهر الجمالية!!

فصل
وقابلهم الفريقُ الثاني، فقالوا: قد ذمَّ سبحانه جمالَ الصور وتمام القامة والخلقة؛ فقال عن المنافقين: {وَإِذَا رَأَيتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: ٤]، وقال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤)} [مريم: ٧٤] أي أموالًا ومناظر؛ قال الحسن: هو الصور. وفي "صحيح مسلم" (¬١) عنه -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". قالوا: ومعلومٌ أنه لم يَنفِ نظرَ الإدراك، وإنما نفى نظر المحبة. قالوا: وقد حرم علينا لباس الحرير والذهب وآنية الذهب والفضة، وذلك من أعظم جمال الدنيا. وقال: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه: ١٣١]. وفي الحديث: "البذاذة من الإيمان" (¬٢). وقد ذمَّ الله المسرفين، والسرف كما يكون في الطعام والشراب يكون في اللباس.
وفصل النزاع أن يقال: الجمال في الصورة واللباس والهيئة ثلاثة أنواع: منه ما يُحمَد، ومنه ما يُذَمّ، ومنه ما لا يتعلق به مدحٌ ولا ذمٌّ:
فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له؛ كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتجمل للوفود (¬٣)، وهو نظير لباس آلة
---------------
(¬١) برقم (٢٥٦٤) من حديث أبي هريرة.
(¬٢) أخرجه أبو داود (٤١٦١) وابن ماجه (٤١١٨) والحاكم (١/ ٩) من حديث أبي أمامة.
(¬٣) كما في الحديث الذي أخرجه البخاري (٨٨٦) ومسلم (٢٠٦٨) عن ابن عمر.

الصفحة 270