كتاب الفوائد لابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

فإن تألَّمتَ بالسبب فانظرْ إلى ما في المسبب من الفرحة والسرور واللذَّة يَهُنْ عليك مُقاساته. وإن تألمتَ بترك اللذة المحرمة فانظر إلى الألم الذي يعقبه، ووازِنْ بين الألمين.
وخاصيةُ العقل تحصيل أعظم المنفعتين بتفويت أدناهما، واحتمال أصغر الألمين لدفع أعلاهما.
وهذا يحتاج إلى علم بالأسباب ومقتضياتها، وإلى عقل يختار به الأولى والأنفع له منها؛ فمن وَفَرَ قسمُه من العقل والعلِم اختار الأفضل وآثرَه، ومن نقصَ حظه منهما أو من أحدهما اختار خلافَه، ومن فكر في الدنيا والآخرة علم أنه لا ينال واحدًا منهما إلا بمشقة؛ فليتحمل المشقة لخيرهما وأبقاهما.

فصل
لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمرٌ، وله عليه فيه نهيٌ، وله فيه نعمةٌ، وله به منفعةٌ ولذةٌ. فإن قام لله في ذلك العضو بأمره، واجتنب فيه نهيَه فقد أدَّى شكر نعمته عليه فيه، وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به. وإن عطَّل أمر الله ونهيه فيه عطَّلهُ الله من انتفاعه بذلك العضو، وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته.
وله عليه في كل وقت من أوقاته عبوديةٌ تُقدِّمه إليه وتُقرِّبه منه، فإن شَغَل وقته بعبودية الوقت تقدم إلى ربه. وإن شغله بهوى أو راحة وبطالةٍ تأخر.
فالعبد لا يزال في تقدم أو تأخر، ولا وقوفَ في الطريق البتة.
قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧)} [المدثر: ٣٧].

الصفحة 280