كتاب الفوائد لابن القيم - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

بغافلٍ ولا ساهٍ. وهو إشارةٌ إلى المانع من حصول التأثير، وهو سهوُ القلب وغيبتُه عن تعقُّلِ ما يُقال له والنظرِ فيه وتأمُّلِه.
فإذا حصل المؤثِّرُ وهو القرآنُ، والمحلُّ القابلُ وهو القلبُ الحيُّ، ووُجِد الشرطُ وهو الإصغاءُ، وانتفى المانعُ وهو اشتغالُ القلبِ وذهولُه عن معنى الخطاب وانصرافُه عنه إلى شيءٍ آخر؛ حَصَل الأثرُ وهو الانتفاعُ والتذكُّرُ.
فإن قيل: إذا كان التأثيرُ إنَّما يتمُّ بمجموع هذه؛ فما وجهُ دخول أداة (أو) في قوله: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}؛ والموضع موضعُ واو الجمع لا موضعُ (أو) التي هي لأحد الشيئين؟
قيل: هذا سؤالٌ جيدٌ، والجوابُ عنه أن يُقال: خُرِّج الكلام بـ (أو) باعتبار حال المخاطب المدعوِّ:
فإنَّ من الناس من يكون حيَّ القلب، واعِيَهُ، تامَّ الفطرة؛ فإذا فكَّر بقلبه، وجال بفكرِه؛ دلَّه قلبُه وعقلُه على صحة القرآن، وأنَّه الحقُّ، وشهد قلبه بما أخبر به القرآنُ، فكان ورودُ القرآنِ على قلبه نورًا على نور الفطرة، وهذا وصف الذين قيل فيهم: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: ٦]، وقال في حقِّهم: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: ٣٥]؛ فهذا نورُ الفطرة على نور الوحي، وهذا حالُ صاحب القلب الحيِّ الواعي.
قال ابنُ القيِّم: وقد ذكرنا ما تضمَّنت هذه الآية من الأسرار والعبر في كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة

الصفحة 4