كتاب نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

٢٥٤ - واجْعَلْ لوجْهِكَ مُقْلَتينِ كِلاهُما ... مِنْ خَشيْةِ الرحمنِ بَاكيتانِ
٢٥٥ - لَوْ شاء رَبُّكَ كُنتَ أيْضًا مِثلَهمْ ... فالقلبُ بين أَصابعِ الرَحمنِ
---------------
= شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس: ٨٢]، فهذه الإرادة شاملة لجميع الحوادث من خير وشر.
الثاني: إرادة شرعية (وهي المقصودة بقوله: عين الأمر) تتعلق بما يأمر الله به عباده مما يحبه ويرضاه وهي المذكورة في مثل قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وهذه الإرادة لا تكون إلا فيما يحبه الله ويرضاه من الخير، وهذه الإرادة هي المذكورة في مثل قول الناس لمن يفعل القبائح: هذا يفعل ما لا يريده الله أي: ما لا يحبه ولا يرضاه.
ولا تلازم بين الإرادتين بل قد تتعلق كل منهما بما لا تتعلق به الأخرى فبينهما عموم وخصوص من وجه، وقد تجتمع هاتان الإرادتان كما في إيمان أبي بكر فهو مراد كونًا لأنه وقع ومراد شرعًا لأنه محبوب مرضي عند الله تعالى. وقد تفترقان ككفر أبي جهل فهو مراد كونًا لأنه وقع، وغير مراد شرعًا لأنه مبغوض غير مرضي عند الله تعالى.
ومعنى كلام الناظم -رحمه الله-: أنك تنظر إليهم بعين الحكم فترحمهم لأن مشيئة الله وإرادته فيهم لا ترد، وتنظر إليهم بعين الأمر فتحملهم على أحكام الله فقد حرم عليهم الزنا والسرقة وإن أرادهما منهم كونًا. فإذا وقعا فحد الزاني واقطع السارق ولا تعطل الحكم الشرعي بحجة أن هذا مراد كونًا. شرح الطحاوية ١/ ٨٠، المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ص ١٢١، شرح الواسطية لهراس ص ٥١ - ٥٢ شرح ابن عيسى ١/ ١٣١ - ١٣٢، الماتريدية للشمس السلفي الأفغاني ١/ ٤٤٨.
٢٥٤ - كلاهما: انظر التعليق على البيت ٢٥١.
٢٥٥ - اهتداء الإنسان إلى الطريق السوي ونجاته من الطرق المنحرفة فضل ومنّة من الله تعالى وحده كما قال سبحانه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٩٤] فلا ينبغي للعبد أن يُدِلّ =

الصفحة 105