كتاب نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ومن المحال أن يذكر القلب مَن هو محاربٌ لصفاته، نافرٌ من (¬١) سماعها، معرضٌ بكلّيته عنها، زاعمٌ أنّ السلامة في ذلك (¬٢). كلّا والله، إنْ هو إلّا الجهالة والخِذْلان (¬٣)، والإعراض عن العزيز الرحيم، فليس القلب الصحيح قطُّ إلى شيء أشوقَ منه إلى معرفة ربه (¬٤) تعالى، وصفاته وأفعاله وأسمائه، ولا أفرحَ بشيء قطُّ كفرحه بذلك. وكفى بالعبد (¬٥) خِذلانًا أن يُضرَبَ على قلبه سُرادِقُ (¬٦) الإعراضِ عنها والنَّفرةِ والتنفيرِ (¬٧)، والاشتغالِ بما لو كان حقًّا لم ينفع إلا بعد معرفة الله تعالى والإيمان به وبصفاته وأسمائه.
والقلب الثاني: قلبٌ مضروبٌ بسِياط الجهالة، فهو عن معرفة ربه ومحبّته مصدود، وطريقُ معرفةِ أسمائه وصفاته كما أُنزِلتْ عليه
---------------
= الأول من المرض والقسوة، لذلك لا ينبغي أن نغفل عن ذكركم طرفة عين.
(¬١) في ح: "عن".
(¬٢) المراد أنه يستحيل أن يكون القلب ذاكرًا لله، وهو منكر لصفاته معرض عنها.
(¬٣) يقال خذَله وخذَل عنه يخذُله خَذْلا وخِذلانًا: ترك نصرته وعونه، وخِذلان الله العبد أن لا يعصمه من الشبه فيقع فيها، نعوذ بالله من ذلك. اللسان ١١/ ٢٠٢.
(¬٤) في د: "تبارك وتعالى".
(¬٥) في ط: "عمى وخذلانًا".
(¬٦) السرادق بضم السين وكسر الدال: كل ما أحاط بالشيء من حائط أو مضرب أو خباء، والجمع سرادقات. اللسان ١٠/ ١٥٧.
(¬٧) النفرة: التفرق، ويقال نفر الظبي أي شرد، والتنفير عن الشيء: التشريد والتفريق عنه، اللسان ٥/ ٢٢٥. القاموس ٦٢٤.

الصفحة 11