كتاب نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

فحينئذ شمّر المثبتُ عن ساق عزمه، وعقد لله مجلسًا بينه وبين خصمه. يشهده القريب والبعيد، ويقف على مضمونه الذكيّ والبليد. وجعله عقدَ مجلس التحكيم بين المعطِّل الجاحد والمُثبِت المرمي بالتجسيم.
وقد خاصم في هذا المجلس بالله وحاكمَ إليه، وبرِئَ إلى الله من كل هوى وبدعة وضلالة، وتحيُّزٍ إلى فئةٍ غيرِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان أصحابه عليه. والله سبحانه المسؤول (¬١) أن لا يكِلَه إلى نفسه ولا إلى شيء مما لديه، وأن يوفقه في جميع حالاته لما يحبه ويرضاه، فإنّ أزِمّةَ الأمور بيدَيه.
وهو يرغب إلى من يقف على هذه الحكومة (¬٢) أن يقومَ لله قيامَ متجرِّدٍ عن هواه، قاصدًا لرضا مولاه؛ ثم يقرأها متفكرًا، ويعيدَها ويبدئَها متدبرًا؛ ثم يحكمَ فيها بما يرضي الله ورسوله وعباده المؤمنين، ولا يقابلَها بالسبِّ والشتم كفعل الجاهلين والمعاندين.
فإن رأى حقًّا قَبله (¬٣) وشكَر عليه، وإن رأى (¬٤) باطلًا ردّه على قائله وأهدى الصواب إليه، فإنّ الحقّ لله ورسولِه، والقصدُ أن تكون كلمةُ
---------------
(¬١) في ح، ط: "هو المسؤول".
(¬٢) يعني هذه المنظومة المباركة التي بيّن فيها -رحمه الله- آراء أصحاب المذاهب ثم حكم بينهم وردَّ على أهل الباطل باطلَهم بأقوى حجة وأوضح عبارة.
(¬٣) في طع، طه: "تبعه".
(¬٤) من هنا سقطت ورقة من ب.

الصفحة 39