كتاب نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

كفؤ له، الذي هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه أحدٌ مِن جميع بريّاتِه.
وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وأمينُه على وحيه، وخِيرتُه من بريّته، وسفيرُه بينه وبين عباده، وحجّتُه على خلقِه. أرسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة (¬١) بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا (¬٢). أرسله على حينِ فَترةٍ (¬٣) من الرّسُل، وطُموسٍ (¬٤) من السّبُل، ودُروسٍ (¬٥) من الكتب. والكفرُ قد اضْطَرَمت (¬٦) نارُه، وتطايرَ في الآفاق شرارُه. وقد استوجبَ أهلُ الأرضِ أن يَحِلَّ بهم العقابُ، وقد نظر الجبّارُ تبارك وتعالى إليهم فمَقَتَهم عربَهم وعجمَهم إلّا بقايا من أهل الكتاب (¬٧). وقد استند كلُّ قوم إلى ظُلَم آرائِهم، وحكموا على
---------------
(¬١) مبعثه - صلى الله عليه وسلم - من علامات قرب الساعة كما جاء في حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال عليه الصلاة والسلام: "بُعثت أنا والساعة كهاتين، ويشير بأصبعيه فيمدهما".
رواه البخاري ١١/ ٣٤٧ - فتح.
(¬٢) يشير إلى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: ٤٥ - ٤٦].
(¬٣) الفترة: ما بين كل رسولين من رسل الله عز وجل من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة، اللسان ٥/ ٤٤.
(¬٤) الطموس: مصدر طمسَ الطريقُ يطمُس: درَس وامّحَى أثره. اللسان ٦/ ١٢٦.
(¬٥) الدروس: مصدر درس الشيءُ يدرُس، أي عفا وامحى. اللسان ٦/ ٧٩.
(¬٦) اضطرمت: اشتعلت والتهبت. اللسان ١٢/ ٣٥٤.
(¬٧) هذا اقتباس من حديث عياض بن حمار -رضي الله عنه- قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: =

الصفحة 5