كتاب نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

اللهِ سبحانه بمقالاتهم الباطلة وأهوائهم. وليلُ الكفرِ مُدْلَهِمٌّ (¬١) ظلامُه، شديدٌ قتامُه (¬٢). وسبيلُ (¬٣) الحقِّ عافيةٌ آثارُه، مطموسةٌ أعلامُه (¬٤). ففلَقَ اللهُ سبحانه بمحمّد - صلى الله عليه وسلم - صبحَ الإيمان، فأضاء حتى ملأ الآفاقَ نورًا، وأطلع به شمسَ الرسالة في حَنادِسِ (¬٥) الظُّلَمِ سراجًا منيرًا، فهدَى (¬٦) به من الضلالة، وعلَّم به من الجهالة، وبصَّرَ به من العمَى، وأرشدَ به من الغيّ، وكثَّرَ به بعد القلّة، وأعزَّ به بعد الذلّة، وأغنَى به بعد العَيْلة (¬٧)، واستنقذ به من الهَلَكة، وفتح به أعيُنًا عُمْيًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفا (¬٨).
---------------
= " ... وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب". رواه مسلم ١٧/ ٢٠٣، نووي، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها.
(¬١) المدلهم: الأسود، ادلهم الليل والظلام: كثف سواده، وليلة مدلهمة: مظلمة، وأسود مدلهم: مبالغ به، اللسان ١٢/ ٢٠٦.
(¬٢) القتام: هو الغبار. اللسان ١٢/ ٤٦١.
(¬٣) ط: "سبل ... آثارها ... أعلامها".
(¬٤) أعلامه: جمع العلَم، وهو ما ينصب في الطريق ليهتدى به، القاموس ص ١٤٧٢.
(¬٥) الحِنْدِس: الظلمة وليل حندس: مظلم، وأسود حندس: شديد السواد، والحنادس: ثلاث ليال من الشهر لظلمتهن. اللسان ٦/ ٥٨.
(¬٦) ط: "فهدى الله".
(¬٧) العَيلة والعالة: الفاقة، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨)} [التوبة: ٢٨] اللسان ١١/ ٤٨٨.
(¬٨) غُلْفا أي مغلفة، يقال: قلب أغلَف بيّن الغُلفة، كأنه غشي بغلاف فهو لا=

الصفحة 6