كتاب نونية ابن القيم الكافية الشافية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

٩١ - كُلٌّ سَيُفْنِيهِ الْفَنَاءَ المَحْضَ لَا ... يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ كَظِلٍّ فَانِ
٩٢ - ويُعِيدُ ذَا المَعْدومَ أَيضًا ثانيًا ... مَحْضَ الوُجُودِ إعَادَةً بِزَمَانِ
٩٣ - هَذَا المعَادُ وَذَلِكَ المَبْدَا لَدَى ... جَهْمٍ وقَدْ نَسَبُوهُ لِلْقْرآنِ
---------------
٩١ - المحض: الخالص الذي لا يخالطه غيره. اللسان ٧/ ٢٢٧، والمراد أنهم قالوا: إن هذه الأشياء تفنى فناء تامًا ليس فيه أدنى بقاء.
٩٣ - المعاد: يعني البعث الذي بعد الموت.
المبدا: يعني الذي قبل الظهور للحياة.
- تقدم حكاية قول الجهم وشيعته وأنهم بنوا قولهم في المعاد على أصل فاسد وهو القول بالجوهر الفرد وأن أجزاء العالم ومنه الإنسان عند موته تعدم وتتفرق ثم تعود يوم القيامة بأعيانها يعني بكامل الصفات والأعراض حتى قالوا جهلًا بإعادة الزمان الأول الذي كان مقارنًا للوجود الأول بعينه. وهذا معنى قول الناظم: "إعادة بزمان" يعني إعادة مقرونة بالزمان الذي كان مقارنًا للأشياء حتى يكون الثاني عين الأول. وقد أورد عليهم أن الإنسان قد يأكله حيوان وذلك الحيوان يأكله إنسان آخر فإذا أعيدت تلك الأجزاء من هذا لم تعد من هذا، وأورد عليهم أن الإنسان يكبر ويتحلل ويتغير جسمه في أثناء حياته فما الذي يعاد أهو الذي كان وقت الموت فيلزم من ذلك أن يعاد على صورة ضعيفة وهو خلاف ما جاءت به النصوص، وإن كان غير ذلك فليس بعض الأبدان أولى من بعض، ويستدل الجهم على قوله بالفناء بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨]، وزعم أن الهلاك هنا هو الفناء المحض، ويستدل على قوله بأن الإعادة تكون من عدم محض بقوله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: ٢٩] وقوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: ١٠٤] وقال: كما أن الله تعالى بدأ الأشياء من عدم محض فكذلك يعيدها من عدم محض. وقد بسط شيخ الإسلام رحمه الله الرد عليه من وجوه من ذلك:
١ - أبطل أصلهم وهو القول بالجوهر الفرد.
٢ - أن النشأة الثانية بعد الموت تختلف عن النشأة الأولى التي قبله. فالأولى كائنة فاسدة والثانية كائنة لا فاسدة بل باقية دائمة. ودلت النصوص على أن نشأة الإنسان الثانية فيها من الطبائع كعدم البول والغائط ما يختلف عن الأولى. =

الصفحة 71