كتاب المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم

بلعام وثعلبة (¬١) ، وتارةً بأن يسأل على الوجه الذي لا يُحبه الله تعالي.
بل أشدّ من ذلك السحر الطِّلَسْمات (¬٢) والعين وغير ذلك، قد يُقْضَي بها كثيرٌ من أغراض النفوس، ومع هذا فقد قال سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: ١٠٢]. وإنما يتشبَّثون بمنفعة الدنيا، قال تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة: ١٠٢].
كذلك أنواع الداعين والسائلين قد يدعو دعاءً محرَّمًا، يحصل معه غرضُه، ويورثه ضررًا عظيمًا، ثم إن الداعي قد يعلمه (¬٣) وقد لا يعلمه على وجهٍ لا يُعْذَر فيه بتقصيرِه في طلبِ العلم أو تركِ الحق، وقد لا يعلمه على وجهٍ يُعْذَر فيه، بأن يكون مجتهدًا أو مقلِّدًا، کالمجتهد [والمقلِّد اللذين يُعْذران في سائر الأعمال] (¬٤) ، وقد يتجاوز عنه لكثرة حسناتِه وصدقِ قصدِه، أو لمحضِ رحمةِ ربه ونحو ذلك. ثم مع ذلك يُنْهَى عنه، وإن كان قد زال سببُ الكراهةِ في حقِّه (¬٥) .
ومن هنا يَغْلَط كثير من الناس؛ يبلغهم أن بعض الأعيان من الصالحين عَبَدَ عبادةً، أو دعا دعاءً، وجَدَ أثرَه، فيجعل ذلك دليلًا على استحباب (¬٦) تلك العبادة والدعاء، ويجعلون ذلك العمل سنة، كأنه قد
---------------
(¬١) انظر التعليق رقم (٢)، ص ١٧٤.
(¬٢) انظر في التعريف به "أبجد العلوم": (٢/ ٣٦٧)، و "المعجم الوسيط": (ص/ ٥٦٢).
(¬٣) أي: يعلم أن ذلك الدعاء محرم أو مكروه.
(¬٤) زيادة يستقيم بها السياق من "الاقتضاء".
(¬٥) يعني: لما له من العذر.
(¬٦) في "الاقتضاء": "استحسان".
ـ

الصفحة 175