كتاب المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم

فأنزل الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: ٨٤]، وقيل له: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: ٨٠]، فقال: "لو أَعْلَمُ أَنِّي لو زِدْتُ على السبعينَ يُغْفَر لهم لَزِدْتُ" (¬١) فأنزل الله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [المنافقون: ٦].
وقال: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ ... } إلى قوله: {يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا .... } [هود: ٧٤ - ٧٦].
فالله -تعالى- له حقوقٌ لا يَشْركه فيها غيره، وللرسل حقوق لا يَشْركهم فيها غيرهم، وللمؤمنين حقوق مشتركة. وفي حديث معاذ: "حقُّ الله على العباد أنْ يَعْبُدوه ولا يُشْرِكوا به شَيْئًا" (¬٢).
وهذا أصل التوحيد الذي بَعَث اللهُ به الرسل وأنزل به الكتب، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)} [الأنبياء: ٢٥]، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦].
ويدخل في ذلك: أن لا يَخافَ إلا إيَّاه ولا يَتَّقِي إلا إيَّاه، قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} [النور: ٥٢]. فالطاعة لله ورسوله، والخشية والتُّقي الله وحده، كما قال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٧)} [الحشر: ٧].
فالحلالُ ما حلله الرسول، والحرامُ ما حرَّمه، والدينُ ما شرعه.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري رقم (١٣٦٦) من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
(¬٢) تقدم ص / ١٨٧.

الصفحة 199