كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 1)
إذْ ذَاكَ يَجْهَلُ هَذَا الْمَنْدُوبَ أَوْ الْجَائِزَ حَتَّى لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ قَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بِحَضْرَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يَنْهَهُ، وَهَذَا وَقْتُ الْبَيَانِ وَتَأْخِيرُهُ لَا يَجُوزُ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ وَصَرَّحَ فِيهِ بِالْقِيَامِ لِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، وَهُوَ كَوْنُهُ قَامَ لِتَهْنِئَتِهِ وَمُصَافَحَتِهِ فَكَانَ قِيَامُهُ لِثَلَاثِ مَعَانٍ، وَهِيَ الْبِشَارَةُ وَالْمُصَافَحَةُ وَالتَّهْنِئَةُ وَلَمْ يَكُنْ لِنَفْسِ الْقِيَامِ إذْ لَوْ كَانَ لَصَرَّحَ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِغَيْرِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ غَيْرُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ عَلَى أَنَّ التَّهْنِئَةَ وَالْبِشَارَةَ وَالْمُصَافَحَةَ تَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ الْمَوَدَّةِ بَيْنَهُمْ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْخُلْطَةِ وَالْمُمَازَجَةِ بِخِلَافِ السَّلَامِ، فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ، فَقَدْ يَكُونُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَعْبٍ مَا ذَكَرَ فَكَانَ مَا صَدَرَ مِنْهُ لِأَجْلِ زِيَادَةِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ أَمْرٌ تَقَرَّرَ، وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَسَاوَوْا فِي كَثْرَةِ الْمَوَدَّةِ وَتَأْكِيدِ الْحُقُوقِ، فَرُبَّ شَخْصٍ لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ وَآخَرَ لَهُ حَقَّانِ وَآخَرَ لَهُ ثَلَاثُ حُقُوقٍ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَارَ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ لَيْسَ إلَّا إنْ كَانَ ذِمِّيًّا، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا كَانَ لَهُ حَقَّانِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبًا كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ، فَإِنْ كَانَ صِهْرًا كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ حُقُوقٍ، فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا كَانَ لَهُ خَمْسَةُ حُقُوقٍ، فَإِنْ كَانَ صَدِيقَا صَاحِبَ سِرٍّ كَانَ لَهُ سِتَّةُ حُقُوقٍ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ رَأْيٍ وَنَظَرٍ فِي الْعَوَاقِبِ، وَلَا يُخْرَجُ عَنْ رَأْيِهِ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ كَانَ لَهُ سَبْعَةُ حُقُوقٍ، فَإِنْ كَانَ مُشَارِكًا فِي مَجْلِسِ عِلْمٍ كَانَ لَهُ ثَمَانِيَةُ حُقُوقٍ، فَإِنْ كَانَ مُشَارِكًا فِي سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَانَ لَهُ تِسْعَةُ حُقُوقٍ، فَإِنْ كَانَ صَالِحًا كَانَ لَهُ عَشْرَةُ حُقُوقٍ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا كَانَ لَهُ أَحَدَ عَشْرَ حَقًّا، فَإِنْ كَانَ يُدْلِي بِقَرَابَتَيْنِ كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ حَقًّا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ كَثِيرٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيُحْمَلُ فِعْلُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى خُصُوصِيَّةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَعْبٍ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، فَيَأْتِي عَلَى هَذَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ كَانَ مُمْتَثِلًا مَا يَلْزَمُهُ وَمَا يُنْدَبُ إلَيْهِ مَنْ قَامَ حَتَّى بَشَّرَ وَهَنَّأَ وَقَعَدَ.
وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى بَلْ هُوَ
الصفحة 170
317