كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 1)

الْأَوْجَبُ؛ لِأَنَّا إذَا حَمَلْنَا قِيَامَ طَلْحَةَ لِأَجْلِ الْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ وَأَنَّهُ مِنْ الْمَنْدُوبِ فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ جَلَسَ وَلَمْ يَقُمْ قَدْ زَهِدَ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ، وَقَدْ زَهِدَ فِي فِعْلِ الْمَنْدُوبِ وَتَمَالَئُوا عَلَى تَرْكِهِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مُبَاشِرٌ لَهُمْ وَلَمْ يَنْهَهُمْ وَلَمْ يُرْشِدْهُمْ وَلَمْ يُعَلِّمْهُمْ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُظَنَّ هَذَا بِالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ صَالِحِي أُمَّتِهِ فَكَيْفَ بِمُتَقَدِّمِيهَا فَكَيْفَ بِالصَّحَابَةِ الْخِيَارِ خِيَارِ الْخِيَارِ فَكَيْفَ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يُقِرُّ عَلَى النِّسْيَانِ، وَلَا الْغَلَطِ، وَلَا الْوَهْمِ لِعِصْمَتِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ سِيَّمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَاجِبِ أَوْ الْمَنْدُوبِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَبَانَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَمْرُ وَاتَّضَحَ أَنَّ قِيَامَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ لَا عَلَى الْجَوَازِ. ثُمَّ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَتْ: «مَا رَأَيْت أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهَا قَالَتْ: وَكَانَتْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ لَهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى.
اسْتَدَلَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ مَشْرُوعٌ بِمَا ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ وَلَيْسَ فِي كُلِّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْبَابِ مَا يُبَيِّنُ بِهِ مُرَادَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ لَوْ سَلَّمَ لَهُ ظَاهِرُهُ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ وَقَعَ الْقِيَامُ، وَهُوَ التَّقْبِيلُ وَإِجْلَاسُ الْوَارِدِ فِي مَجْلِسِ صَاحِبِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ نَدَبَ إلَى تَنْزِيلِ النَّاسِ مَنَازِلَهُمْ» وَلَيْسَ ثَمَّ مَنْزِلَةٌ أَعْظَمُ مِنْ مَنْزِلَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، ثُمَّ مَنْزِلَتُهَا بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَقِّهَا) «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَقِّهَا «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» وَإِذَا كَانَتْ بِهَذِهِ الْمَزِيَّةِ وَأَنَّهَا بِضْعَةٌ مِنْهُ فَيَجِبُ تَرْفِيعُهَا وَتَعْظِيمُهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ:

الصفحة 171