كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 1)

عَلَى مَا مَرَّ لَيْسَ لِلنَّفْسِ فِيهِ حَظٌّ، وَلَا لِلْهَوَى فِيهِ مَطْمَعٌ، وَلَا لِلْعَادَةِ فِيهِ مَدْخَلٌ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ صِفَةُ الْأَوْلِيَاءِ فَمَا بَالُك بِصِفَةِ الْأَنْبِيَاءِ فَمَا بَالُك بِصِفَةِ سَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ قُطْبِ دَائِرَةِ الْكَمَالِ وَمَحَلِّ الْفَضَائِلِ الْعَلِيَّةِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا كُلُّ الْبَشَرِ عَدَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
فَحَاصِلُهُ أَنَّ تَعْظِيمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي تَقْبِيلِهَا حِينَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ وَإِجْلَاسِهَا فِي مَجْلِسِهِ لِأَجْلِ مَا خَصَّهَا اللَّهُ بِهِ مِنْ الشِّيَمِ الْكَرِيمَةِ وَاللَّطَائِفِ الْجَمِيلَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا خُصُوصِيَّةٌ تَمْتَازُ بِهَا إلَّا حُصُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي صَحِيفَتِهَا فَأَيُّ صَحِيفَةٍ مِثْلُ هَذِهِ وَأَيُّ مَزِيَّةٍ أَكْبَرُ مِنْهَا وَاَللَّهِ مَا وُجِدَتْ قَطُّ، وَلَا تُوجَدُ أَبَدًا، فَسُبْحَانَ مَنْ مَنَّ عَلَيْهَا بِمَا مَنَّ وَتَكَرَّمَ بِمَا تَكَرَّمَ فَكَانَ قِيَامُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقِيَامُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -؛ لِأَنَّ بُيُوتَهُمْ عَلَى مَا قَدْ عُلِمَ مِنْ ضِيقِهَا، وَقَدْ كَانَتْ أَحْوَالُهُمْ عَلَى مَا قَدْ عُلِمَ مِنْ شَظَفِ الْعَيْشِ وَقِلَّةِ الدُّنْيَا سِيَّمَا «فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الَّتِي أَثَّرَتْ الطَّاحُونُ فِي يَدِهَا فَشَكَتْ ذَلِكَ إلَى أَبِيهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالرِّفْدُ قَدْ أَتَاهُ فَحَمَلَهَا عَلَى حَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاخْتَارَ لَهَا مَا اخْتَارَ لِنَفْسِهِ الْمُكَرَّمَةِ فَأَعْطَى النَّاسَ وَتَرَكَهَا لِقُوَّةِ نُورِ إيمَانِهَا، وَعَلَّمَهَا عِوَضًا عَنْ الْخَادِمِ الَّتِي طَلَبَتْ إذَا أَوَتْ إلَى فِرَاشِهَا أَنْ تُسَبِّحَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَحْمَدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتُكَبِّرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ» . وَقَدْ كَانَتْ تَقْعُدُ الْأَيَّامَ لَا تَأْكُلُ شَيْئًا وَفِيهَا وَفِي بَعْلِهَا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9] الْآيَةَ فِي قِصَّةٍ مِنْ الْمُجَاهِدَةِ يَطُولُ ذِكْرُهَا
، وَقَدْ ذَكَرَهَا أَهْلُ التَّفْسِيرِ، وَمَنَاقِبُهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ يَطُول تَتَبُّعُهَا، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَعَرِّضَةِ لِهَذَا الْفَنِّ. فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِقْلَالَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا كَانُوا يَمْتَنِعُونَ بِسَبَبِهِ مِنْ فِرَاشٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يَضْطَرُّونَ إلَيْهِ أَوْ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يَقْعُدُونَ عَلَيْهِ. أَلَا تَرَى إلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ «بَاتَ عِنْدَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ

الصفحة 173