كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 1)

فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا» فَلَوْ كَانَ ثَمَّ وِسَادَةٌ غَيْرُهَا لَجَعَلُوهَا لَهُ دُونَ وِسَادَتِهِمْ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا إلَّا وَطَاءٌ وَاحِدٌ، وَهِيَ قَاعِدَةٌ عَلَيْهِ وَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُوهَا فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَقْعُدَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى الْأَرْضِ، وَهِيَ عَلَى حَائِلٍ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ أَصْلًا فَاحْتَاجَتْ إلَى الْقِيَامِ مِنْ مَجْلِسِهَا حَتَّى يَقْعُدَ أَبُوهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْحَائِلِ، ثُمَّ تَقْعُدُ هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ إمَّا عَلَى طَرَفِ الْحَائِلِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ.
وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا دَخَلَتْ هِيَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى أَبِيهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُفَضِّلُهَا وَيُعَظِّمُهَا بِتَفْضِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمِهِ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْعُدَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى حَائِلٍ، وَهِيَ تَقْعُدُ مُبَاشِرَةً لِلْأَرْضِ فَيَقُومُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَتَّى يُجْلِسَهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ جَالِسًا لِأَجْلِ الْمَنْزِلَةِ الْعُظْمَى الَّتِي لَهَا عِنْدَ رَبِّهَا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِيَامَهُ وَقِيَامَهَا كَانَ لِمَا ذُكِرَ، وَهُوَ الْإِفْسَاحُ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِيثَارُ بِهِ مَعَ التَّقْبِيلِ الْمَذْكُورِ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ مَعَانِي الْحَدِيثِ مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا، وَهُوَ نَصْرٌ فِي عَيْنِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَفِي هَذَا الْجَوَابِ وَإِيضَاحِهِ مَقْنَعٌ مَعَ الْإِنْصَافِ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِهِ فَلَوْ جِئْنَا بِقِرَابِ الْأَرْضِ أَجْوِبَةً وَاضِحَةً لَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ، وَلَا الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ الْإِنْصَافَ هُوَ رَأْسُ الْخَيْرِ وَزُبْدَتُهُ وَمَنْبَعُهُ، فَقَدْ تَبَيَّنَ الْأَمْرُ وَاتَّضَحَ فَاسْلُكْ أَيَّ الطَّرِيقِينَ شِئْتَ وَاَللَّهُ يُرْشِدُنَا وَإِيَّاكَ لِطَرِيقِ الرَّشَادِ وَيُجَنِّبُنَا وَإِيَّاكَ طَرِيقَ الْجَحْدِ وَالْعِنَادِ.
ثُمَّ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ عَمْرَو بْنَ السَّائِبِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ جَالِسًا يَوْمًا فَأَقْبَلَ أَبُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّهُ فَوَضَعَ لَهَا شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْآخَرِ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ أَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ» انْتَهَى.

اسْتَدَلَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ مَشْرُوعٌ وَمَنْدُوبٌ بِقِيَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَقَدْ نَطَقَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْحِكْمَةِ

الصفحة 174