كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 1)

اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَبَ إلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتَّى بَايَعَهُ» انْتَهَى. اسْتَدَلَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى النَّدْبِ إلَى الْقِيَامِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَهَذَا لَا يُنَازَعُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَامٌّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَدَمُ قِيَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبَوَيْهِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقِيَامُ مِنْ بَابِ الْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ لَفَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبَوَيْهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَكُلُّ مَا يَرِدُ مِنْ الْقِيَامِ فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْبِرِّ وَالِاحْتِرَامِ لِمَا ذُكِرَ.
وَقَدْ أَجَازَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الْقِيَامَ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْوَارِدِ أَنَّكَ تَأْتِي إلَيْهِ فَتُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْكَ فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنَّك تَقُومُ مَاشِيًا إلَيْهِ عِوَضًا عَمَّا فَاتَكَ مِنْ الْمَشْيِ إلَى بَيْتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ نَصَّ الْحَدِيثُ أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ بَابِهِ. وَكَذَلِكَ «قَامَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَبَّلَهُ وَعَانَقَهُ وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَدْرَى بِأَيِّهِمَا أُسَرُّ أَكْثَرَ هَلْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَوْ بِفَتْحِ خَيْبَرَ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَقَدْ حَمَلَهُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى الْقِيَامِ لِلْغَائِبِ فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ. ثُمَّ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُنَا فَإِذَا قَامَ قُمْنَا قِيَامًا حَتَّى نَرَاهُ قَدْ دَخَلَ بَعْضَ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ» انْتَهَى. فَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ لَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ ضَرُورَةً لِأَحَدِ الْعُلَمَاءِ فَكَيْفَ لِسَيِّدِ الْعُلَمَاءِ وَقُدْوَتِهِمْ أَجْمَعِينَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَالِمَ إذَا قَعَدَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ حَلْقَةً كُلُّ إنْسَانٍ يَتْرُكُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ صَلَاةِ نَافِلَةٍ وَبَحْثٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَجُلُوسٍ فِي مُصَلَّاهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَسْمَعُ إذْ ذَاكَ وَيَسْتَفِيدُ مِنْ الْعَالِمِ، فَإِذَا فَرَغَ الْعَالِمُ وَانْصَرَفَ انْصَرَفَ النَّاسُ بِانْصِرَافِهِ إلَى مَا كَانُوا بِصَدَدِهِ أَوْ إلَى قَضَاءِ بَعْضِ ضَرُورَاتِهِمْ أَوْ إلَى مُصَلَّاهُمْ أَوْ إلَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورَاتِ الْمُحْوِجَةِ إلَى الْحَرَكَةِ وَالْقِيَامِ، وَبُيُوتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ

الصفحة 177