كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 1)

أَحْمَدُ وَثَبَ إلَيْهِ قَائِمًا وَأَكْرَمَهُ فَلَمَّا مَضَى قَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ: يَا أَبَتِ أَبُو إبْرَاهِيمَ شَابٌّ عَمِلَ بِهِ هَذَا الْعَمَلَ وَتَقُومُ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ لَا تُعَارِضْنِي فِي مِثْلِ هَذَا أَلَا أَقُومُ لِابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَعَنْ أَبِي هَاشِمٍ قَالَ: قَامَ وَكِيعٌ لِسُفْيَانَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ قِيَامَهُ فَقَالَ أَتُنْكِرُ عَلَيَّ قِيَامِي وَأَنْتَ حَدَّثْتَنِي عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ إجْلَالِ اللَّهِ تَعَالَى إجْلَالَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ» وَأَخَذَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ فَأَجْلَسَهُ إلَى جَانِبِهِ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ قَالَ: كُنْت عِنْدَ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ يَعْنِي الْحَافِي الزَّاهِدَ فَجَاءَ رَجُلٌ يُسَلِّمُ عَلَى بِشْرٍ فَقَامَ إلَيْهِ بِشْرٌ فَقُمْتُ لِقِيَامِهِ فَمَنَعَنِي مِنْ الْقِيَامِ، فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ قَالَ لِي بِشْرٌ يَا بُنَيَّ تَدْرِي لِمَ مَنَعْتُكَ مِنْ الْقِيَامِ لَهُ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ، وَكَانَ قِيَامُكَ لِقِيَامِي فَأَرَدْتُ أَنْ لَا تَكُونَ لَكَ حَرَكَةٌ إلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِ آدَابِ الصُّحْبَةِ قَالَ: وَيَقُومُ لِإِخْوَانِهِ إذَا أَبْصَرَهُمْ مُقْبِلِينَ، وَلَا يَقْعُدُ إلَّا بِقُعُودِهِمْ وَأَنْشَدُوا
فَلَمَّا بَصُرْنَا بِهِ مُقْبِلًا ... حَلَلْنَا الْحَبَا وَابْتَدَرْنَا الْقِيَامَ
فَلَا تُنْكِرُنَّ قِيَامِي لَهُ ... فَإِنَّ الْكَرِيمَ يُجِلُّ الْكِرَامَ
انْتَهَى.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْجُلَّةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْقِيَامِ الْجَائِزِ الْمَنْدُوبِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ الْعُلَمَاءُ فِيمَا تَقَدَّمَ لَا عَلَى قَصْدِ قِيَامٍ لَيْسَ إلَّا، وَهَذَا بَيِّنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَعَ أَنَّ هَذَا الْعَالِمَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآثَارِ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ أَنْكَرُوا عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَخْذِهِ بِعَمَلِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَعَ أَنَّهُمْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَعِنْدَهُمْ اسْتَقَرَّ أَمْرُ الشَّرِيعَةِ وَبَانَ مَا اُسْتُنْسِخَ وَمَا بَقِيَ وَقَلَّ أَنْ تَذْهَبَ عَنْهُمْ السُّنَنُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الْقَرِيبِ، وَمَعَ هَذِهِ الْقَرَائِنِ كُلِّهَا وَأَكْثَرَ مِنْهَا أَكْثَرُوا النَّكِيرَ عَلَيْهِ وَشَدَّدُوا، ثُمَّ

الصفحة 179