كتاب المدخل لابن الحاج (اسم الجزء: 1)

نَفْسِهِ فَمَا يُحِبُّ أَنْ يُفْعَلَ مَعَهُ فَعَلَهُ هُوَ مَعَ أَخِيهِ، وَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُفْعَلَ مَعَهُ لَمْ يَفْعَلْهُ مَعَهُ أَلْبَتَّةَ، وَهَذَا الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ كُلُّهُ هُوَ الَّذِي قَالَ هَذَا السَّيِّدُ فِيهِ: هَذَا سُؤَالٌ فَاسِدٌ لَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ جَوَابًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ بِمَا يَسَّرَ اللَّهُ فِي الْوَقْتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا فِعْلُ الصَّحَابَةِ وَفَهْمُهُمْ لِلْحَدِيثِ، وَمَعْنَاهُ لَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِنَا وَفَهْمِنَا بَلْ أَوْجَبَ؛ لِأَنَّهُمْ تَلْقَوْهُ مُشَافَهَةً مِنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ وَانْظُرْ رَحِمَك اللَّهُ وَإِيَّانَا إلَى مُعَاوِيَةَ الَّذِي تَلَقَّى الْحَدِيثَ مِنْ فِي صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ كَيْفَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ، وَذَلِكَ الَّذِي فَهِمَ فَكَانَ يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ فِي فَهْمِهِ وَفِقْهِهِ.
وَانْظُرْ رَحِمَك اللَّهُ وَإِيَّانَا إلَى رُوَاةِ الْحَدِيثِ كَيْفَ بَوَّبُوا عَلَيْهِ بَابَ كَرَاهَةِ الْقِيَامِ لِلنَّاسِ، بَابَ كَرَاهَةِ الْقِيَامِ لِلرَّجُلِ، وَلَمْ يَقُولُوا بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ وَلَمْ يَقُولُوا مِثْلَ مَا قَالُوا فِي عَكْسِهِ.
حَيْثُ قَالُوا: بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقِيَامِ فَيُعْطِي ذَلِكَ أَوْ يُفِيدُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْكَرَاهَةِ، وَلَا يَقُولُونَ بِالْجَوَازِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.

. وَانْظُرْ رَحِمَك اللَّهُ وَإِيَّانَا إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَصْحَابِهِ لَمَّا أَنْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَامُوا إلَيْهِ: «لَا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا» جَمَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ شَيْئَيْنِ الْأَوَّلَ النَّهْيَ وَالثَّانِيَ التَّعْلِيلَ، وَهُوَ كَوْنُ الْقِيَامِ إذَا وَقَعَ بِنَفْسِهِ يَكُونُ تَعْظِيمًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَبَيَّنَ لَهُمْ كَيْفِيَّةَ الْقِيَامِ الْجَائِزِ وَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ الْقِيَامَ إذَا وَقَعَ وَلَمْ يَكُنْ بِنِيَّةِ التَّعْظِيمِ كَانَ جَائِزًا، وَهَذَا وَقْتُ الْبَيَانِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ بَلْ لَوْ كَانَ يَجُوزُ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ مَا احْتَاجَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى نَهْيِهِمْ عَنْ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ مِنْهُمْ بِإِكْرَامِهِ وَتَبْجِيلِهِ وَتَوْقِيرِهِ وَلِعِلْمِهِ مِنْهُ أَنَّهُمْ مُمْتَثِلُونَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ. ثُمَّ اُنْظُرْ أَيْضًا إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» ، وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَنَا مِنْ أَصْلِ الشَّرْعِ وَالطَّبْعِ وَالْعَادَةِ وَالتَّجْرِبَةِ أَنَّ النَّفْسَ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ غَالِبَةٌ مَكَّارَةٌ

الصفحة 192